قصص من التاريخ (صفحة 216)

وكرّت الأيام راجعة، فإذا هو يرى عبد الملك وقد روّعه اسمه وأرّقه، ويبصر رأس المختار الذي ظفر بعامل الأمويين يسقط على قدمي عامله وأخيه مصعب، ثم تقوى هذه الصورة في نفسه وتجيش وتموج، حتى تبلغ هذا الحاضر الذي يعيش فيه، ثم تمتد إلى آفاق المستقبل، هذا المستقبل الذي ولد ونما واستكمل نموه في لحظة.

وطغت موجة الفرح على نفسه فأحس كأنه في حلم، واختلطت عليه الحقيقة بالوهم، فأخذ بيد ابن صفوان وسأله نشوان فرحاً: هل قلت إن الطريق مفتوح؟ أأستطيع أن أخرج من مكة؟

ولم يكن ابن صفوان ينتظر منه الرضا، فاستخفّه الطرب لرضاه ونسي أنه يكلم خليفته وآمِره. فجعل يهز يديه بشدة ويقول: نعم، نعم يا سيدي، أسرع، أسرع بالله، أخشى أن يفوت الأوان. إن الفجر سينبلج.

فينساق عبد الله في الطريق الذي أراده له ابن صفوان ويكاد يمضي فيه، ولكنه يذكر أمه، ويعود إلى نفسه مشهدها وهي قابعة في زاوية البيت حزينة ملتاعة. هل يدع أمه وحيدة بين براثن هؤلاء الذين يراهم وحوشاً؟

لا. وتوقف، وبدا عليه التردد.

- سيدي! إن الوقت قصير.

- لن أدع أمي!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015