قصص من التاريخ (صفحة 217)

- وكيف تدعها يا سيدي؟ إن الجند سيحملونها معك إلى حيث تمضي أو يضعونها حيث لا تنالها أيدي الحجاج.

فعاودت عبدَ الله حماستُه، ولكنه وقف مرة أخرى يفكر: هَبْهُ وصل إلى العراق، فماذا؟ هل تكون خيراً له من الحجاز؟ لقد ضاعت العراق يوم ضاع مصعب. فهل يذهب إلى خراسان؟ لقد مد الأمن رواقه على هذه المدن، أفيقلبها ساحة للحرب؟ لا، لن يقتل الآلاف من المسلمين ليعيش هو!

وراح يعرض البلاد كلها في لحظة فلا يجد بقعة لم يبلغها ملك أمية، أفيمضي إلى بلاد الكفر؟ وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فاستصغرها وزهد فيها وفترت همته، وانطفأ هذا اللهيب الذي وَقَد في نفسه وخَطَف نورُه على جبينه، فاستل يده من يد أبي صفوان وقال له بصوت رهيب: اسمع يا أبا صفوان!

فأدرك ابن صفوان أنه سيسمع نبأ لا يسره؛ فقد نطق وجه عبد الله بأنه عازم على الموت قبل أن ينطق به لسانه، ولكنه أرهف أذنيه وذهب يستمع، فقال له عبد الله: يا ابن صفوان، أخبرني. أفي طوقك أن تردّ على العالم بهاء الشمس ونورها إذا غمره الليل بسواده القاتم؟ إن لكل نهار ليلاً ...

فقاطعه ابن صفوان وقد رأى بارقة من أمل سنحت له فحاول أن يتمسك بها: ولكل ليل فجر يا أمير المؤمنين.

- ولكن هذا الفجر لن يسطع عليّ من بين رايات الأمويين أستظل بها، ولا تتسرب خيوطه من خلال هذا الثوب الذي رضيتَ لي الفرار فيه ... بل إنه سيسطع (إني لأرى تباشيره تلوح بيضاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015