هؤلاء الذي أترعوا التاريخ بأحاديث المكارم، ثم ترضى أن تُساق وأنت شيخ أبيض اللحية إلى دمشق ليلعب بك صبيانها، وليشيروا إليك بأصابعهم يقولون: هذا الذي كان ... ؟
ولم يعد عبد الله يملك صبره، فصرخ: أماه! كفى؛ إنني جئت أودعك.
وألقى بنفسه بين ذراعيها، فتحسسته فإذا هو بالدرع. قالت: أتخدعني يا عبد الله؟ «ما هذا صنيع من يريد الموت» (?).
قال: ما لبسته إلا لأجلك، وما لي به من حاجة.
ونزعه فألقاه، ثم تملص من ذراعيها برفق: أماه ... وداعاً. «ولا تَدَعي الدعاء لي، فوالله ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تُستحل محارمه، وإني مقتول في يومي، فلا يشتد حزنك وسلمي الأمر إلى الله؛ فإن ابنك لم يتعمد إيثار منكر، ولا عملاً بفاحشة، ولم يَجُرْ في حكم الله ولم يغدُرْ في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم أو معاهد، ولم يبلغني ظلم من عمالي فرضيت به. اللهم لا أقول هذا تزكية لنفسي ولكني أقوله تعزية لأمي» (2).
وأسرع فخرج وأمه تدعو الله:
«اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر مكة والمدينة، وبره بأبيه وبي، اللهم إني قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت، فأثبني ثواب الصابرين الشاكرين» (3).