وسكتت العجوز ومدت يديها تتلمس عبد الله لتودعه الوداع الأخير، فلما أحست أنه قد ذهب ثارت أحزانها دفعة واحدة، وهوت على الأرض!
* * *
وسدل الستار يوم الثلاثاء (17 جمادى الأولى سنة 73 للهجرة) على هذا الشاب الذي هجر مدرسته وصبيانه، ونزل من الطائف وحيداً شريداً، فمهدت له عبقريته السبيل لما كان يحسبه مجداً وعظماً؛ وأعاد إلى الأمة الإسلامية وحدتها وسلامتها، وبنى في صرح أمجادها ركناً ضخماً ما كان أعظمَه وأزهاه لو لم يُلطَّخ بدماء الأبرياء.
وعلى هذه الشيخ البطل الذي عاش مسلماً شريفاً، ومات شريفاً مسلماً. هذا الشيخ الذي سَمَتْ به نفسه حتى ضارع الخليفة في الشام، ثم صارعه حتى سلبه ملكه وسلطانه، ثم خسر كل ما ربح، ولكنه مات أشرف ميتة وأمجدها، فكان موته مغلوباً ظفراً بارعاً ونصراً مؤزراً.
وهذه العجوز التي لم يعرف تاريخ بنات حواء من وقفت مثل موقفها أو ضحّتْ مثل تضحيتها، أو دانتها في نبلها وشرف نفسها وإخلاصها لوطنها ودينها.
رحمة الله على الجميع.
* * *