أن أترع أيام البشرية الماضية بالحياة، وهو كفيل بأن يغمر أيامها الباقيات حياة وفضيلة ومجداً؟
وآلمها ضياع هذه المبادئ أكثر مما آلمها خذلان ابنها وضياع عرشه، بل هي قد نسيت ابنها، ونسيت هذا الملك الذي رتع في بحبوحته تسعة أعوام جاء يتجرع الآن مرارتها، ونسيت ماضيها الآفل، بل لقد نسيت نفسها، وذهبت تفكر فيما هو أعز عليها من حاضرها وماضيها وابنها ونفسها، في هذا المبدأ الذي أخلصت له. إنه لا ينتصر هذا المبدأ وعلى الأمة واليان يصطرعان ويقتتلان، فلا بدّ من ذهاب أحدهما، فإذا لم يذهب عبد الملك فليكن ابنها هو الذي يذهب، ولتشترِ حياة الأمة بحياة ابنها!
وكان عزماً خطيراً، وكانت فكرة هائلة يرتجف لها أقوى القلوب، ولكن قلب أسماء الذي يحمل قسطه من الإرث الأخلاقي الذي صهرته شمس هذه البلاد في الألوف المؤلفة من السنين، وأنضجه الإسلام وهذبه، لم يرتجف ولم يخَفْ. كان همها أن تستريح هذه البلاد المقدسة ليلة آمنة إثر نهار مليء بالخطوب، لتستيقظ مع الفجر قوية نشيطة، فتفيء إلى ظلال وحدة هانئة تستجم فيها، وتفرغ لنفسها لتفرغ من بعد لأعدائها. ولكن العجوز غفلت لحظة عن عواطفها التي خنقتها في صدرها فانطلقت صارخة صاخبة، فتصورت العجوز نفسها - بعد عبد الله - فلم تطق أن تتصور، وعادت إليها أنوثتها فعظم عليها أن تفرط بولدها الحبيب وهي على عتبة الموت، وهو عمادها وعونها وحاضرها ومستقبلها، وهو كل شيء لها، وعادت تعرض ذكرياته منذ كان طفلاً إلى أن غدا شيخاً، فتحس أن أمانيها كلها تختصرها ساعة