قصص من التاريخ (صفحة 204)

مجهول، وتفكر في غير وعي، فقادها الفكر إلى دنيا تحبها وتألفها، فإذا هي ترى - كرة ثانية - بداية هذا الصباح الذي غمر الكون ضوؤه وغسلت أنواره الأرض من أرجاس ليل طويل ماتت في ظلامه الفضائل والمثل، وتفكر في قوة هذه الرسالة التي انتصرت على العالم كله ... ثم ترى حاضرها الممض فتشجى وتتألم. ما أسرع ما نسي الناس هذه المبادئ وأجدبت نفوسهم منها، وهذه أصلاد حراء، وهذه جلاميد ثور، لا تزال مخصبة مخضرة ... أفتكون هذه الحجارة وهذه الجلاميد أوفى وأحفظ من قلوب البشر؟ وإذا نسي الناس أفلا تذكّرهم هذه الجبال الشاهقة التي شهدت عزلة محمد وإيواءه إليها ليالي بطولها، يفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، ويفتش وراء مظاهر الكون عن مبدع الكون ... ثم شهدت منبثق الوحي، وأشرق عليها فأضاء جنادلها وصخورها قبل أن تسطع أنواره في السهول والقرى، وسمعته وآمنت به قبل أن تسمعه هذه المدائن العظيمة المنثورة في الأرض من حول الكعبة؟ ومثلت لها الكعبة المهدمة فهالها أن يعبث المسلمون بحرمة الكعبة وهي التي كان المشركون - على جهالتهم وكفرهم - أكثر لها إجلالاً وأشد احتراماً، وصبّتْ سخطها على ابنها وعلى الأمويين جميعاً. أيستحلّون البلد الحرام في الشهر الحرام وينسون مبادئ الرسول ولمّا يمضِ على وفاته إلا ثلاث وستون سنة؟ وينقضون عرى الأخوّة بينهم ويقاتل بعضهم بعضاً في بطن مكة؟ ولِمَه؟ أوَلم يبقَ في الأرض ظالمون ولا طغاة يقاتلونهم؟ أينفض المسلمون أيديهم من هذا الإرث العظيم ويهملونه حتى يبدو في عيونهم مجدباً، وهو الذي بلغ من خصبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015