على هذه الجنان الطاهرة التي أُسس فيها أول مسجد بُني على تقوى، فسمعت وحدها هذا النشيد العلوي التي أصغت إليه الدنيا كلها من بعد، والذي يتردد اليوم خمس مرات في كل نهار تتجاوب به المنابر في كافة أرجاء الأرض.
وهنالك، وسط هذا النشيد الذي يتألف من كلمتين اثنتين لم تعرف ألسنة البشر أكثر منهما هديراً وأشد في النفس تأثيراً (هما: «الله أكبر») صاح البشير أن أول مولود في الإسلام قد استهل، فانشرحت به صدور المسلمين حتى كأن كلّ واحد منهم كان أباه، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه وبارك عليه ودعا له.
وتمثلت عبدَ الله وهو صبي يبايع رسول الله يبتسم له ابتسامة تفيض بالحب والرضا. ورأته وقد شبَّ حتى صار يلعب مع الصبيان في الطرقات. وإنه لفي لعبه وإذا بعمر القوي المهيب يمر فيفر الصبية ويتوارون ويبقى عبد الله واقفاً.
- لِمَ لمْ تفر كما فروا؟
- ولِمَ أفر؟ وما أنت ظالم فأخشى ظلمك ولا أنا مذنب فأرهب عدلك؟
فيعجب به عمر ويكبر جرأته وبلاغته.
ثم تبصره وقد علا مكانه، واستعلن أمره، وضخم سلطانه؛ فانقادت إليه الأماني طيعة وتبعته الدنيا خاضعة. ثم انهار هذا كله ... ثم انهار هذا كله ...
وراحت العجوز تحدق بعينيها اللتين حرمتا النور في أفق