حجاب الغيب ... واستمرأ بقايا تلك اللذة التي أحس بها وهو خارج من دار «مستشار الدولة» روح بن زنباع، وقد قلده شارة الشرطة فكانت عنده أكبر من شارة الخلافة.
أين ذلك الشرطي من قائد الخميس العَرَمْرَم (?) الذي ترك جنات الشام الألفاف وسهوله الفِيح (?)، وأبى أن يقطف ثمرة النصر وأزاهر المجد إلا من جلاميد مكة وصخورها، فأمّ بزحفه رؤوس الجبال، ثم هبط نحو مكة يستذري براية الظفر، حتى امتد بزحفه هذا (الذي كان يحسبه مجيداً) إلى أبواب الحرم؟
وألقى نظرة القائد الشاب (ابن السبع والعشرين) على الحرم فرأى الكعبة وقد أضاءها القمر بشعاعه الكابي، فبدت مهدمة مصدعة الجدران رهيبة، فراعه ذلك وأخافه، وعَرَاه ارتجاف شديد هزّ كيانه كله، فعاف ذكرياته وأعرض عن المجد والأماني، ولم يبق في فكره إلا صورة بيت الله المهدّم تظل ماثلة له بعد أن أغمض عينيه عنها، فيحس بأنها تثقل على قلبه حتى لتكاد تسحقه سحقاً، ويكبر هذا الذي أقدم عليه وتملأ نفسَه خشيةُ الله، فيندم ويشتد به الندم. ثم يذكر وعده الذي وعده الخليفة: أن يقضي على ابن الزبير