راياته وطبوله) وهذه الأوعار (?) الصم التي انتشر عليها جيش الحجاج بكبريائه وعنفوانه. عمها كلها صمت عميق وهدوء شامل، فلا تسمع في ثناياه إلا صيحة حارس يتنقل شبحه خلال السواد، أو صرخة جريح معذَّب، ثم يعود السكون.
* * *
نامت العيون، واستسلم المتحاربون إلى سبات أعمى، وأراق القمر عذوبته وهدوءه على هذه الجبال فبدت جميلة فاتنة، فجفا فراشَه سيدُ الموقف وبطل الجيوش المظفرة وقائدها، وانسلّ في خفية كيلا يشعر حرسه وأعوانه، فجلس على باب الفسطاط يتأمل هذه السماء الصافية ويحدق في النجوم المتوقدة المتلألئة، فتفتح عليه باب الذكرى، فيَلِجُ منه إلى سالفات أيامه فيعيش فيها وينسم أريجها. وحملته هذه النجوم إلى ذكرى بعيدة، فأحس بأنها عزيزة عليه محببة إليه، فطفق يتأمل صورة تلك الليلة (?) التي قضاها في الصحراء وحيداً فريداً قد هجر بلده وحياته ليقدم على بلد لا يعرفه وحياة لا عهد له بها، ويستعيد خواطره التي كانت تعتلج في نفسه، وذهب إلى أبعد من ذلك فذكر أيامه في تلك الأعالي الباذخة حين كان معلماً لصبيان الطائف، وأمانيه التي لم يكن يأنس إلا إليها، والتي يحاول أبداً أن يستشف خيالها من وراء