الطيف البراق الزاهي الذي كان يتراءى لها راقصاً على أشعة الطَّفَل. فهجعت مكانها تنظر الصباح.
نامت القافلة يحرسها الحراس، ونام كليب نوماً عميقاً لا يطفو على وجهه حلم، حتى أحس بأنفاس الفجر الباردة على خديه، ففتح عينيه، فرأى طلائع الفجر تضطرب تلقاء المشرق في خطوط ضعيفة كأنها أضواء المصابيح الكليلة، فراقته وتعلق بها بصره. وما شيء يمتلك لب الرائي ويأخذ عليه مشاعره مثل انبلاج الفجر في الصحراء، حين يكون سفير النور، ومهبط الآمال على هذه النفوس التي ملت ظلام الليل وما يعيش في الظلام من مصائب وأوهام. ولم يستطع كليب أن يحمل وحده كل هذا الجمال، وأحب أن يجد صديقاً يشاركه حمل الشعور فكان يلقي على رفيقه النائم (من غير أن يحول وجهه عن المشرق): ما أجمل هذا!
وكان صوته هامساً خافتاً كأنه كان يناجي نفسه، فإذا لم يجبه أحد وطغى عليه شعوره عاد يقول: ما أجمل هذا! ألا ترى؟
وكان الفجر قد انبلج واستوى عموده، وامتدت خيوطه فإذا هي تملأ الفلاة كلها، وتَحْسِر عن هذه المشاهد التي كانت مخبوءة وراء حجاب الليل، فإذا هي بارعة فتّانة. ولم يكن صاحبنا المعلم قد رآها من قبل، فشُده حين ظهرت له بغتة كأنها لوحة فنية أُزيح عنها غطاؤها، أو كنز فُتح له بابه، أو متحف فيه كل جميل أخّاذ أُضيئت له جوانبه؛ فلم يدرِ أين كان هذا كله مخبوءاً، وحارت نفسه بين خضرة البساتين التي تحف بالبلد: أينعم النظر إليها ويذوق حلاوتها بعد هذه الأيام الطويلة التي ذاق فيها مرارة البادية،