قصص من التاريخ (صفحة 178)

وغاضت فيها ينابيع الماء كما غاضت ينابيع العلم. ثم يرى رجلين يسيران من «أُم القرى» إلى تلك «المدينة» النائمة بين الحرّتين، فينبت الزهر تحت أقدامهما، وتخضرُّ الرمال التي يطؤونها، وتكتسي البادية من حولهما أثواب الحياة. ويرى هذا الرجلَ يستقر في تلك «المدينة» فيبعث من بين حَرّتيها صيحته القوية، فيوقظ النيام ويحيي الجماد ويبعث في النفوس الفضائل والأمجاد، فإذا الجزيرة برملها وصخرها وشمسها المحرقة وجبالها الصلدة تسير وراء محمد صلى الله عليه وسلم (أعظم إنسان وأفضل نبي) لتحمل الحياة إلى سهول الشام والعراق. يا عجباً، يا عجباً! الصحراء القاحلة تمنح الحياة للسهول والبساتين؟!

رأى الجزيرة تمشي وراء محمد صلى الله عليه وسلم لتكون موقد المعركة الحمراء التي أكلت الظلم والرذيلة والطغيان، ثم تمشي ثانية لتكون رمالُها بذورَ الأزاهير والأشجار في السهول الخضراء، ثم تمشي مرة ثالثة لتكون قرائحها وأدمغتها مادة هذه الصحف المجيدة البيضاء، ثم، ثم ... ثم بالغ رفيقه في هزه فانتبه كليب.

- أفي كل يوم إغفاءة أو إغماءة؟ ما لك أيها الرجل؟

- ...

- انزل؛ هذه أسوار بصرى.

* * *

نزلت القافلة تحت أسوار بصرى في موهن من الليل، فلم تبصر في بصرى إلا قطعة من الظلام الراكد، ولم تجد أثراً لذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015