يرى كل من يعبر البادية من شرقها إلى غربها (إذا هو قارب الساحل) سلسلة طويلة من الجبال، تلوح له من مسيرة أيام، زرقاء كأنها معلقة فوق الأفق أو غارقة في السماء. ولكن هذه الجبال تَضِحُ كلما دنا منها وتستبين، حتى إذا بلغها ألفاها بناءً عظيماً من الصخر الأصم، إذا حاول أن يتقصّى بنظره أعاليه سقط عقاله عن رأسه ولم ير شيئاً لأن أعاليه غائبة وسط السحاب المتراكم، فيقرّ في وهمه أنما هو جدار قائم يمسك السماء أن تقع على الأرض، ويقف حياله خاشعاً خاضعاً شاعراً بالمذلّة والهوان.
هذه هي السلسلة الهائلة التي تخرج من الجنوب (من البحر) ثم تضطجع على الرمال بصخورها وجلاميدها، وأوديتها التي لا قرار لها، وذُراها التي ليس لها عدد، وسفوحها التي يضل فيها الهدى، وثناياها التي تموت فيها الحياة، وصمتها المهول، وجلالها الخالد ... تضطجع متمددة بهذا الجسم الأزلي الجبار، حتى تُصاقِب (?) الشام وتبلغ مشارفه، فتهبط سفوحها مترفقة سهلة متتالية حتى تفنى في تلك السهول الخضراء.
* * *