من رياض الجنة فتستقر على الأرض بين محرابه ومنبره، وألا يرى أزهارها ويشم عبقها ويذوق نعيمها إلا من صفا قلبه من العلل، وتنزهت بصيرته عن العمى، وأنشأ له التقى جناحين يطير بهما في هذه «الروضة» من رياض الجنة.
* * *
ومرت الأيام ... وغدا ابنها «ربيعة» طفلاً يدرج، فصرفت سهيلة إلى تربيته همها ورضيت به نصيباً من الحياة. وكانت تحدثه عن أبيه وتصفه له كما كانت تراه بعين الحب، وترقب عودته دائماً، فلا تسمع بركب قدم من الشرق إلا تمنت أن تجده فيهم، وتخيلت أي مفاجأة وأي دهشة ... وتصورت لقاءه إياها، وبالغت في التصور فرأت نفسها بين ذراعيه، تقبله وتشم عبقه، ثم تقصيه عنها بدلال وتعاتبه عتاباً موجعاً. ثم تقدم إليه ابنه ... ولكن الركب يصل ولا تسمع عن فرّوخ خبراً من الأخبار.
وكبر الصبي وضاق ما كان بيدها من المال، فكانت تصبر وترتقب، لا تمد يدها إلى الكنز الذي ائتمنها عليه، حتى لم يبقَ معها شيء. فكانت تصبر هي وابنها على الضيق وتبيت على الطوى وتسلي ابنها وتحدثه عن أبيه: غداً يعود أبوك ومعه المال الوفير، فنعيش في رغد وهناءٍ ونستمتع بما أحل الله من الطيبات.
- ومتى يعود أبي يا أماه؟
- عما قريب؛ إنه سيأتي مع الركب.