فينطلقن يفكرن في سهيلة، كيف يسعدنها وينتشلنها من قرارة آلامها، فلا يجدن إلى ذلك من سبيل.
وكانت سهيلة قد علقت من زوجها وهي لا تدري، فلم تكن إلا شهور حتى بدا عليها الحمل واضحاً، فزادها ألماً على ألم، فأمعنت في الفرار من الناس والبعد عن صاحباتها، فضاعف الانفراد هواجسها وشجونها، فكانت تتلفت أبداً إلى الشرق البعيد، علّ نسمة من زوجها الحبيب تنعش فؤادها، وتسأل الغادين والرائحين عن فرّوخ (أبي عبد الرحمن) فلا تجد علماً عن أبي عبد الرحمن. فتناجي البدر وتسأله عنه عله يراه كما تراه هي، وتحمّل الرياح سلامها، وتسائل الشمس إذا أشرقت لعل عندها من أخباره علماً. لا تفعل ذلك كما يفعله الشعراء، فالشعراء يناجون البدر ويسائلون الرياح ليأتوك بالطريف العجيب من المعاني، ثم ينامون آمنين مطمئنين ويهجعون ملء عيونهم، ولكن سهيلة لم يكن يطيب لها منام ولا تُقبل على طعام، وإنما كانت حياتها كلها في هذا الماضي القصير الذي نعمت به حيناً ثم خسرته وهي أشد ما تكون حباً له وشوقاً إليه. وطغى عليها الفكر حتى كادت تجن حقاً؛ فلم يجد من يعنى بها من صديقاتها إلا وسيلة واحدة إلى نجاتها، هي أن يستعنّ عليها بأحد الأئمة من أصحاب رسول الله أو التابعين لهم بإحسان، يهديها ويرشدها ويداوي أمراض قلبها. وليس يغلب الحب إلا الدين، ولا يجد المحب راحة نفسه وأنس قلبه إلا في اللجوء إلى الله، عن نية صادقة وإيمان متين. ولقد وجدت سهيلة راحتها في اللجوء إلى الله، فكانت تقضي أكثر نهارها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في البقعة التي أذن الله أن تُنقل