قصص من التاريخ (صفحة 141)

وكان الفتيات في غمرة الحديث حينما مرّ بهن فارس يحمل لامته وسلاحه، قد أرخى عمامته وتلثم، فلم يعرفن من هو، وإنما نظرن إليه وهو يخترق جماعات الناس حتى جاوز الجماء وغاب وسط النخيل، فلم يحفلنه ولم يأبهن له.

وكان ذلك فرّوخَ زوجَ سهيلة.

وكان فروخ قد عزف عن اللهو ورغب عن المتع، فتلفّت إلى وجهة أخرى من وجهات الحياة في العصر الأموي؛ إلى حياة الجد، حياة الجهاد في سبيل الله.

وكان جيش المسلمين يسيح في الأرض يغمرها من كل جانب، كأنه البحر، لولا أنه بحر يمتد أبداً لا يعرف الجزْر ولا يدريه. وكان قد بلغ أواسط آسيا وأوائل أوربا، ولا يزال يمضي في وجهه لا يقف حتى يطوّق هذه الكرة ويرفع عليها علم الحق والهدى، ويوحدها حتى تمشي كلها إلى الفضيلة والمجد والخير صفاً واحداً ترفرف فوقه راية القرآن ... فترك فروخ منزله، وخلّف زوجه الحسناء تتقلب وحيدة على فراش العرس الذي لم تجف أزهاره، وأودعها ماله كله، ثلاثين ألف دينار، تحفظها له إلى أن يعود من جهاده وقد قضى حق الله عليه فيستأنف الحياة معها رغيدة سعيدة.

لم يدرِ فروخ أن جهاده في حفظ زوجه وعصمتها وإنشاء أسرة صالحة خير له من أن يدعها وحيدة، وأن يهجرها بعد أن أذاقها من كأس الحب الرشفة الأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015