قصص من التاريخ (صفحة 128)

وفي داخل القصر (حيث كانت منازل الحُرَم) كانت نساء الأمراء من بني أمية يترقبن الأخبار. وفي صدر المجلس زوجات يزيد وهشام ومَسلمة وبقية إخوة الخليفة، وكل واحدة منهن تأمُل أن تكون البشارة لها بأن زوجها هو الذي انتُخب للخلافة بعد سليمان (الذي يتظاهرن بالحزن عليه والخشية من وفاته، وتتمنى كل واحدة منهن موته ليخلو مكانه لزوجها)!

وكان في طرف المجلس فتاة بارعة الجمال، بالغة الأناقة، عليها ثياب لا تدانيها في غلاء ثمنها وجمال مظهرها ثياب واحدة منهن. وكان يبدو عليها من الهدوء والوقار ما ليس مثله على واحدة منهن، كأنها لا تشاركهن في رغبة ولا خشية ولا أمل، وكأنها قد قنعت بما نالت فما تطلب فوقه مزيداً.

ولقد نالت - في الواقع - كل ما تطمع فيه فتاة؛ حازت الجمال والمجد والأدب والزوج الصالح الثريّ والعيش الناعم الرخيّ، وُلدت على فرش الخلافة في قصر أمير المؤمنين، ونشأت في أحضان العز تتقلب في النعيم، وما طلبت شيئاً ولم تصل إلى ما طلبت، ولا اشتهت شيئاً ولم تنل ما اشتهت.

وشبّت فكانت فتاة فتانة بخلقها وخُلقها، بارعة في جمالها وفي كمالها، ولم تكن تجد إلا من يحبها ويدللها، حباً بها وتزلفاً إلى أبيها. أما عرفتم بعد من هو أبوها؟

أتعرفون كم دولة اليوم بين المغرب الأقصى والأفغان؟ لقد كان أبوها يملك - وحده - هذه البلاد كلها؛ ما بعد أمره فيها أمر ولا فوق سلطانه فيها سلطان!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015