قصص من التاريخ (صفحة 124)

ولبث بصره عالقاً بها حتى خرجت من حيث جاءت، فلبث مفكراً مشدوهاً، تطفو على وجهه خيالات أفكار هائلة وذكريات بعيدة، ثم تراخى رأسه فأسنده بكفيه، وظل ساكناً تنطوي جوانحه على البركان ... الذي انفجر بعد دقائق، فنهض الأسير يصرخ صراخ الوحش الكليم: أريد أن أراها، أريد أن أراها.

وراع صياحه الأسرى وهم يعهدونه وديعاً كالحمل، فأقبلوا يسألونه فلا يأبه لهم ولا يكلمهم، وأسرع إليه الحراس يكلمونه فلا يجيب إلا بهذا الصراخ، فرفعوا أمره إلى السلطان وأدخلوه عليه. فلما احتواه مجلس السلطان طأطأ رأسه ووقف خاضعاً. وكانت عظمة السلطان تملأ نفسه إكباراً له، وكان يحس فيها الشكر الخالص لِما رأى من إكرام السلطان في هذه المدة الطويلة التي قضاها أسيراً عنده، ثم رفع رأسه وجعل يقلب نظره في أرجاء المجلس فوقع على هيلانة وهي راضية مطمئنة وابنها في حجرها قد رُدَّ إليها، وهي تنظر إلى السلطان نظرة شكر وحب. ثم رآها تنهض فجأة فتجثو بين يديه فتقبل قدميه وتتقاطر دموعها فيتململ السلطان ويُنهضها. فلم يعد يتمالك نفسه، فأسرع نحوها على غير شعور منه، فلما رآه الطفل هتف به: بابا ... ووقع بين ذراعيه. ونظرت المرأة مبهوتة لا تكاد تصدق ما ترى، وجعلت تنظر حولها لتتثبت مما ترى ولتعلم هل هي في يقظة أو في حلم، ثم صاحت: لويس! أنت حي؟

وفهم السلطان القصة، فحول وجهه حياء وتركهما يتعانقان.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015