القتال وهو مهموم قد أخذ منه التعب والنعاس، وأنا أنظر إليه ليس معنا ثالث إلا الله، فسألته أن ينام ساعة فيستريح، فظن أني نعست فقال لي: لعلك جاءك النوم. ونهض ... فخرجت أمشي إلى خيمتي، فلم أصل إليها وآخذ في بعض شأني حتى أذّن الصبح. فعدت لأصلي فوجدته يمرر الماء على أطرافه، فقال لي حين نظر إلي: ما أخذني النوم أصلاً. فقلت: قد علمت. قال: من أين؟ قلت: لأني ما نمت وما بقي وقت للنوم.
فدخلنا بالصلاة وجلسنا على ما كنا عليه، وجعلت أفكر في أمره وما يحمل من الهم وما ورد عليه من الشدة، وذكرت أن قتيبة بن مسلم وقع في إحدى الشدائد وهو يحارب الأتراك، وضاق به الأمر، وتكاثر عليه العدو، وبذل كل ما يستطيع من القوة والمكيدة فلم يُغنِ ذلك عنه شيئاً. فقال: أين محمد بن واسع؟ قالوا: هو في أقصى الميمنة جانح على سِيَة (?) قوسه يومئ بأصبعه نحو السماء. فتهلل وجه قتيبة واستبشر ووثق بالنصر وقال: "والله لتلك الأصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وسنان طرير". فلما فتح الله عليهم قال له: ما كنت تصنع؟ قال كنت آخذ لك بمجامع الطرق (?).