قصص من التاريخ (صفحة 118)

له طاعتهم ولكنهم تهيبوا الإقدام على هذين الجيشين، واضطربوا لهذا الخطر الذي لم يتوقعه أحد منهم.

ولم يكن هؤلاء الملوك والقواد من الجبناء الرعاديد، بل كانوا أبطال الحومة وسادة الجِلاد، ولم يفقدوا الإيمان الذي قابلوا به جيوش أهل أوربة كلها حين جاءت يحدوها التعصب الذميم، ولا الشجاعة التي ردوا بها هذه الجحافل الجرّارة وقسموها قسمين: قسم مصرع على الثرى قد ذهب جزاء عدوانه الآثم، وقسم طائر على وجهه لا يدري أين المحط. فتصدع الخميس العَرَمْرَم تحت ضرباتهم المسددة وهتافهم المظفر كما يتصدع القطيع من الغنم إذا سمع صوت الأسد وأحس أنيابه ... ولم ينسوا طعم النصر الذي ذاقوه ولا النهاية الماجدة التي ختموا بها الوقائع الماضية التي خاضوا غمرتها، ولكن لم يكن في تلك النهاية للمعارك كلها ما يشبه هذا الخطب العابس الذي حمل نبأه الرسول. فغاضت الحماسة في نفوسهم وإن لم تنفد، وسكنت قليلاً لتستجم وتنهض من جديد، أما نفس السلطان فلا تني ولا تلين، وحماسة السلطان لا تبلغ منها خطوب الدنيا كلها. وإنهم لمن العظماء ذوي النفوس الكبيرة، ولكن أنى لهم بمثل نفس السلطان؟! فلما رأى السلطان هيبتهم صرفهم ولبث وحده مهموماً يفكر.

قال الرجل: فماذا فعل السلطان كان الله له؟ كم يحمل وحده من الأهوال التي تخر تحتها الجبال وتعجز عن حملها الأمم!

قال القاضي ابن شداد (?): جلس يدبر أمره ويرسم خطط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015