قصص من التاريخ (صفحة 117)

واطمأن الأول إلى هذه الحجة، فقاما يسيران في هذه البقاع التي كانت فيما مضى رياضاً زاهرة وتلالاً خضراً معشبة، فجعلتها الحرب قفراً خالياً وقبراً واحداً مفتوحاً، وألبستها ثوباً دامياً من أشلاء أبنائها، حتى بلغا خيمة السلطان فوجداها مضيئة فعلما أنه لم ينم، ووقفا ينتظران الإذن ليعرضا عليه ما جاءا به لأنه كان يطّلع بنفسه على كل كبيرة وصغيرة.

ومرت ساعة ومال ميزان الليل وهما واقفان، فسمعا حركة ورأيا رسولاً يحاول أن يدخل على السلطان وهم يمنعونه حتى أنبأهم أنه يحمل رسالة خطيرة مستعجلة لا يجوز تأخيرها، فخبر السلطان فسمح له وقابله على خلوة لم يكن فيها إلا ابن شداد القاضي، ثم خرج الرسول على عجل وخرج من بعده ابن شداد معلناً أن السلطان سينام قليلاً. وكان ذلك في السحر، فأيِسَ الرجلان من لقائه وذهبا ينتظران الصباح.

ولما كان الصباح ذهب أول الرجلين يلقى القاضي ابن شداد يسأله عن أمر السلطان، وكان صديقاً له، فحدثه أن الرسول حمل إلى السلطان نبأ مروعاً هو أن جيشاً من الصليبيين الألمان يزحف نحو الجنوب في عدد هائل، فلم يستطع أحد من أمراء المسلمين في الشمال أن يرده أو يقف في وجهه فأصبح المسلمون بين نارين.

تفكر السلطان في الأمر، ثم جمع الملوك والقواد (ولم يكن يقطع أمراً دون مشورتهم)، فهبّوا من فراشهم وجفوا راحتهم في هذه الليلة العصيبة التي يلتمس الراحة في مثلها أشد الناس مراساً وأكثرهم صبراً. فلما اجتمعوا عرض عليهم الأمر، فبذلوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015