في تلك الساعة كانت تلمح رجلين يتقدمان في الظلام يريدان معسكر المسلمين، وهما يخطوان بحذر ويقفزان على الصخور بخفة ونشاط، وقد حمل أحدهما هَنَة صغيرة ملفوفة بخرقة بيضاء قد ضمها إلى صدره برفق، أحاط بها يسراه وأمسك بيمناه السيف مسلولاً خشية أن يفجأه كمين أو يعرض له عدو في هذه الظلمة الحالكة. وكانا صامتين، فلما جاوزا «اليزك» (?) ودخلا معسكر المسلمين وأمِنَا وضعا السيوف على الأرض وجلسا يستريحان، وقد أبقى الأول حمله على ذراعه وأحاطه بطرف ثوبه مبالغة منه في العناية به، وقال لرفيقه: ماذا ترى السلطان قائلاً لنا؟ أتراه راضياً عن عملنا وهو الذي أوصانا ألا نعرض للنساء والأطفال، وألا نمس الأعزل بسوء، وأن ندع القسوس، ولم يسمح لنا إلا بسرقة المحاربين والجند؟ أفلا يكره ما أتينا هذه الليلة ويكون غضبه علينا أضعاف رضاه عنا يوم سرقنا ذلك القائد من فراشه؟
فأطرق الثاني كأنما كان يفكر في غضب السلطان ويبحث عن سبيل الخلاص من هذه الوهدة التي سقطا فيها، ثم رفع رأسه فجأة وقد أشرق وجهه بنور الأمل وقال له: لماذا يغضب؟ أليس الله قد أباح لنا أن نرد العدوان بمثله؟ أمَا بدؤونا هم بمثل هذا أول مرة، وروعوا نساءنا، وسرقوا أطفالنا؟ فلما صبرنا عنهم وترفعنا عن مقابلتهم بمثل فعلهم ظنوا ذلك عجزاً منا فأوغلوا في عدوانهم الآثم الدنيء. أفندعهم يفعلون ما يريدون ولا نمد إليهم يداً؟