ثم أورده السبكيّ من طريق خارجة بن مُصعب، عن الأوزاعيّ به، إلا أنه قال: "بحمد الله"، بدل "بسم الله الرحمن الرحيم"، وخارجة هذا قال الحافظ: متروك، وكان يدلّس عن الكذّابين، ويقال: إن ابن معين كذّبه.

وقد خالف، والذي قبله محمد بن كثير المصّيصيّ، فقال في إسناده: عن الأوزاعيّ، عن يحيى، عن أبي سلمة به باللفظ الثاني: "بحمد الله". رواه السبكيّ ص 7 من طريق أبي بكر الشيرازيّ في "كتاب الألقاب". والمصّيصيُّ هذا ضعيف؛ لأنه كثير الغلط -كما قال الحافظ- والصحيح: عن الزهريّ، مرسلًا -كما قال الدارقطنيّ وغيره - وقد روي موصولًا من طريق قُرّة، عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة باللفظ الثانيّ ... إلى أن قال: ومما سبق يتبيّن أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف جدًّا، فلا يُغترّ بمن حسّنه مع الذي بعده -يعني حديث الحمد- فإنه خطأٌ بيّنٌ، ولئن كان اللفظ الآتي -يعني لفظ الحمد- يحتمل التحسين (?)، فهذا ليس كذلك، لما في سنده من الضعف الشديد، كما رأيت انتهى كلام الألباني رحمه اللهُ (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحاصل أن الحديث بلفظ: "بسم الله الرحمن الرحيم" واهٍ بمرّة، لأن في سنده أحمد بن محمد بن عمران المذكور، وهو متّهم، مع مخالفته للثقات، كما تقدّم، بل حكم بعضهم على روايته بالوضع، وإن كان لا يُوافَق عليه (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الثانية: في الكلام على البسملة:

اعلم: أن البسملة مصدر قياسيّ لـ"بسمل"، كدحرَج دحرجةً: إذا قال: باسم الله، على ما في "الصحاح" وغيره، أو إذا كتبها على ما في "تهذيب الأزهريّ"، فهي بمعنى القول، أو الكتابة، لكن أطلقوها على نفس "بسم الله الرحمن الرحيم"، مجازًا، من إطلاق المصدر على المفعول؛ لعلاقة اللزوم، ثم صار حقيقةً عُرْفيّة.

وهو من باب النحت، وهو أن يُختَصَر من كلمتين، فأكثر كلمةٌ واحدةٌ، ولا يُشترط فيه حفظ الكلمة الأولى بتمامها بالاستقراء؛ خلافًا لبعضهم، ولا الأخذ من كلّ الكلمات، ولا موافقة الحركات، والسكنات، كما يُعلم من شواهده، نعم كلامهم يُفهم اعتبار ترتيب الحروف، ولذا عُدَّ ما وقع للشهاب الْخَفَاجيّ في "شفاء الغليل" من طبلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015