صحيحًا، أو لا يُطلق عليه اسم الصحّة، فإن كان يُسمّى صحيحًا، فهو شرطه على ما صرّح به، ولا عبرة بالعدد، وإن لم يُطلق عليه اسم الصّحّة، فلا تأثير للعدد؛ لأن ضمّ الواهي إلى الواهي لا يؤثّر في اعتبار الصحّة، ولم يذهب إلى هذا أحد من أهل العلم قاطبةً.
وأما شرط مسلم، فقد صرّح به في خطبة كتابه.
وأما أبو داود ومن بعده، فهم متقاربون في شروطهم، فلتقصر على حكاية قول واحد منهم، والباقون مثله.
أنبأنا أبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل البصريّ عن كتاب أبي الحسين المبارك ابن عبد الجبّار، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عليّ الحافظ، سمعت أبا الحسين محمد ابن أحمد الغسّانيّ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز الهاشميّ يقول: سمعت أبا داود في "رسالته" التي كتبها إلى أهل مكّة وغيرها جوابًا لهم:
"سألتم أن أذكر لكم الأحاديث في كتاب السنن أهي أصحّ ما عرفتُ في هذا الباب، فاعلموا أنه كذلك كلّه إلا أن يكون قد رُوي من وجهين صحيحين، وأحدهما أقدم إسنادًا، والآخر صاحبه أقوم في الحفظ، فربّما كتبت ذلك، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث، ولم أكتب في الباب إلا حديثًا واحدًا أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح، فإنه يكبر، وإنما أردت قرب منفعته، وليس في كتاب السنن الذي صنّفته عن رجل متروك الحديث شيء، فإن ذُكر لك عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سنّةٌ ليس فيما أخرجته، فاعلم أنه حديث واهٍ، إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر، فإني لم أُخرج الطرق؛ لأنه يكثر على المتعلّم، ولا أعرف أحدًا جمع على الاستقصاء غيري ... " فذكر باقي الرسالة.
وقد روينا عن أبي بكر بن داسة أنه قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث، انتخبتُ منها ما ضمّنت هذا الكتاب، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح، وما يُشبهه، وما يُقاربه، وذكر تمام الكلام.
وهذا القدر كاف في الإيماء إلى مرامهم في تأسيس قواعدهم لمن رُزق النظر السليم، وأعين ببعض الذَّكاء والفطنة.
[فإن قيل]: إن كان الأمر على ما مهّدت، وأن الشيخين لم يلتزما استيعاب جميع ما صحّ، بل لم يودعا كتابيهما إلا ما صحّ، فما بالهما خرّجا حديث جماعة تُكُلّم