فيهم، نحوُ فُليح بن سليمان، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وإسماعيل بن أبي أُويس عند البخاريّ، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وذويه عند مسلم؟ .
[قلت]: أما إيداع البخاريّ ومسلم كتابيهما حديث نفر نُسبوا إلى نوع من الجرح فظاهر، غير أنه لم يبلُغ ضعفهم حدّا يُردّ به حديثهم، مع أنا لا نقرّ بأن البخاريّ كان يرى تخريجِ حديث من يُنسب إلى نوع من أنواع الضعف، ولو كان ضعف هؤلاء قد ثبت عنده لمَا خرّج حديثهم، ثم ينبغي أن يُعلم أن جهات الضعف متباينة متعدّدة، وأهل العلم مختلفون في أسبابه، أما الفقهاء فمدارك الضعف عندهم محصورةٌ، وجُلُّها منوط بمراعاة ظاهر الشرع، وعند أئمة النقل أسباب أُخَر مَرْعيّةٌ عندهم، وهي عند الفقهاء غير معتبرة، ثم أئمة النقل أيضًا على اختلاف مذاهبهم، وتباين أحوالهم في تعاطي اصطلاحهم يَختلِفون في أكثرها، فربّ راوٍ موثوقٌ به عند عبد الرحمن بن مهديّ، ومجروح عند يحيى بن سعيد القطّان، وبالعكس، وهما إمامان عليهما مدار النقد في النقل، ومن عندهما يُتلقّى معظم شأن الحديث.
وأما البخاريّ فكان وحيد دهره، وقَريع عصره إتقانًا وانتقادًا وبحثًا وسبرًا، وبعد إحاطة العلم بمكانته من هذا الشأن لا سبيل إلى الاعتراض عليه في هذا الباب، ثم له أن يقول: هذا السؤالُ لا يلزمني؛ لأني قلت: لم أُخرج إلا حديثًا متّفقًا على صحّته، ولم أقل: لا أخرج إلا حديث من اتُّفق على عدالته؛ لأن ذلك يتعذّر؛ لاختلاف الناس في الأسباب المؤثّرة في الضعف.
ثم قد يكون الحديث عند البخاريّ ثابتًا، وله طرقٌ بعضها أرفع من بعض، غير أنه يَحيد أحيانًا عن الطريق الأصحّ؛ لنزوله، أو يسأم تكرار الطرق إلى غير ذلك من الأعذار. وقد صرّح مسلم بنحو ذلك.
قرأت على محمد بن عليّ بن أحمد القاضي، أخبرني أحمد بن الحسن بن أحمد الكرخيّ إذنًا عن أبي بكر أحمد بن محمد البرقانيّ، حدّثنا الحسين بن يعقوب الفقيه، حدّثنا أحمد بن طاهر الميانجيّ، حدّثنا أبو عثمان بن سعيد بن عمرو قال: شهدت أبا زرعة الرازيّ ذكَر كتاب الصحيح الذي ألّفه مسلم بن الحجّاج (?) بن الفضل الصائغ على مثاله، فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه، فعملوا شيئًا يتسوقون به، ألّفوا كتابًا لم يُسبقوا إليه؛ ليقيموا لأنفسهم رياسة قبل وقتها. وأتاه رجلٌ ذات يوم، وأنا شاهدٌ بكتاب الصحيح من رواية مسلم، فجعل ينظر إليه فيه، فإذا حديث عن أسباط بن