ذلك، فقد ذهب غير واحد من الأئمة إلى ردّ حديثه، وإن تاب.
نقلنا ذلك عن سفيان الثوريّ، وابن المبارك، ورافع بن الأشرس، وأبي نُعيم، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
فأما إذا قال: كنت أخطأت فيما رويته، ولم أتعمّد الكذب، فإن ذلك يُقبل منه.
وأما الذي يكذب في أحاديث الناس، فإنه متى جُرّب عليه ذلك، وظهر، فإنه يُردّ حديثه، وكذا من عُرف بقبول التلقين، وتكرّر ذلك منه، واشتَهَر به، فلا يُقبل حديثه، وكذا من عُرف بالتساهل في رواية خبره.
شرطٌ آخر: أن لا يكون مدلّسًا، والتدليس، وإن كان أنواعًا، بعضها أسهل من بعض، وكان جماعة من ثقات الكوفيين والبصريين مولَعين به، ممن حديثه مخرّجٌ في الصحاح، غير أنّ شرط الصحيح لا يحتمل ذلك.
شرط آخر: العدالة، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يُقبل إلا خبر العدل، وكلُّ حديث اتّصل إسناده بين من رواه، وبين النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يَلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، وإمعان النظر في أحوالهم، سوى الصحابيّ الذي رفعه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن عدالة الصحابة ثابتةٌ معلومة بتعديل الله تعالى لأصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإخباره عن طهارتهم.
وصفاتُ العدالة: هي اتّباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهَى عنه، وتَجَنُّب الفواحش المسقطة، وتحرّي الحقّ والتوقّي في اللفظ مما يثلم الدين والمروءة، وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر حتى يجتنب الإصرار على الصغائر، فمتى وُجدت هذه الصفات كان المتحلّي بها عدلًا مقبول الشهادة.
ومنها: أن يكون الشخص بعد أن ثبتت عدالته، وجانب ما ينافي العدالة نحو السفه وغيره معروفًا عند أهل العلم بطلب الحديث، وصرف العناية إليه.
ومنها: أن يكون حفظه مأخوذًا عن العلماء لا عن الصحف.
ومنها: أن يكون ضابطًا لما سمعه وقت سماعه متحقّقًا على شيخه في روايته من أن لا يدلّسه إن كان ممن يعرف بالتدليس، وكان يحيى بن سعيد يقول: ينبغي في هذا الحديث غير خصلة ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبتا الأخذ، ويكون يفهم ما يقال، ويُبصر الرجال، ثم يتعاهد ذلك.
وقال أبو نعيم: لا ينبغي أن يؤخذ العلم إلا عن ثلاثة: حافظ له أمين عليه، عارف بالرجال، ثم يأخذ نفسه بدرسه، وتكريره حتى يستقرّ له حفظه.