يكون، وهي الأخبار التي يُؤثرها علماء الإسلام في إثبات الأحكام الشرعيّة المختلف فيها بين الأمة، وإنما وجب التوقّف فيما هذه حاله من الأخبار؛ لعدم الطريق إلى العلم بكونها صدقًا أو كذبًا، فلم يكن الحكم بأحد الأمرين فيها أولى من الحكم بالآخر إلا أنه يجب العمل بما تضمّنته من الأحكام إذا وُجدت فيها الشرائط التي نذكرها بعدُ.
فإذا ثبت أن الحاجة داعيةٌ في تصحيح الخبر إلى اعتبار أوصاف في المخبِر، فلنذكر الآن ما وعدنا به من حصر الشرائط التي إذا قامت بشخص لزم قبول خبره.
الشرط الأول: الإسلام، وهو المقصود الأعظم، فرواية أهل الشرك مردودة، ومستند ذلك الكتاب والسنّة والإجماع، وليس هذا موضع إحصائها، وإنما نُشير إشارةً عاريةً عن الأدلّة، فإن تحمّل الرواية وهو مشركٌ، ثم أدّاها في الإسلام، فلا بأس بذلك.
والشرط الثاني: العقل، وبه يتوجّه الخطاب، ومنه يُتلقّى الصواب، والمفقود عقله لا يخلو إما أن يكون مجنونًا، أو صبيّا، وكلاهما لا تُقبل روايته، ولا شهادته، والأصل فيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيّ حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يَعقل" (?)، والحديث مشهور من حديث عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- ولا حاجة بنا إلى ذكر إسناده، ولأن حال الراوي إذا كان مجنونًا دون حال الفاسق من المسلمين، وذلك أن الفاسق يخاف الله، ويرجوه لما فيه من الاستعداد، فإذا رُدَّ خبر الفاسق فخبر المجنون أولى بذلك. والصبيّ عند عدم التمييز بمثابة المجنون. وأما حالة التحمّل، فقد ذهب قومٌ إلى المنع إذا لم يكن مميّزًا، وخالفهم في ذلك آخرون. وأما من زال عقله بأمر طارىء، كالاختلاط، وتغيّب الذهن، فلا يُعتدّ بحديثه، ولكن يلزم الطالب البحث عن وقت اختلاطه، فإن كان لا يمكن الوصول إلى علمه طُرح حديثه بالكليّة؛ لأن هذا عارض قد طرأ على غير واحد من المتقدّمين، والحفّاظ المشهورين، فإذا تميّز له ما سمعه ممن اختلط في حال صحّته، جاز له الرواية عنه، وصحّ العمل بها.
شرط آخر: الصدق، وهو عمدة الأنباء، وعدّة الأنبياء، وشيمة الأبرار، وأُرومة الأخيار، والبرزخ بين الحقّ والباطل، والفيصل بين الفاضل والجاهل، فمن تحلّى بغير حليته فلا يخلو كذبه، إما أن يكون في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو في أحاديث الناس، فإن كان كذبه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضع الحديث، أو ادّعاء السماع، أو ما شاكل