المفيد، ثنا أحمد بن عبد الرحمن السقطيّ، ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا حميد، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دخلت الجنّة، فرأيت قصرًا من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ ، قالوا لشابّ من قريش، فظننت أني هو، فقلت: لمن؟ قالوا: لعمر بن الخطاب" (?).

هذا حميد بن أبي حميد روى عن أنس، وصحّ سماعه منه، توفّي سنة ثلاث وأربعين ومائة، فلا يكون الإسناد إلى الحسن مثل الإسناد إلى حميد، وإن استويا في المرتبة، بل يكون الطريق إلى الحسن أعلى وأجلّ، ثم الراوي عن الحسن المبارك بن فَضَالة، وتوفّي سنة ستّ وستين ومائة، والراوي عن حميد يزيد بن هارون، وتوفّي بواسط غُرّة ربيع الأول سنة ست ومائتين.

وقد يقع في طبقات المتأخرين ما هو أعجب من هذا، مثاله إن البخاريّ حدّث في كتابه عن أحمد بن أبي داود، عن روح حديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: لأبيّ بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن". وحدّث بهذا الحديث بعينه أبو عمر بن السماك، عن ابن أبي داود هذا، وبين وفاته ووفاة البخاريّ ثمان وثمانون سنة، فإن البخاريّ توفّي سنة ست وخمسين ومائتين، وتوفّي أبو عمر سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.

والسبب أن البخاريّ توفّي قبل ابن أبي داود بأربع عشرة سنة، فلو وُلد مولود بعد وفاة البخاريّ احتمل أن يسمع من ابن أبي داود، فهما وإن اجتمعا في المنزلة، فقد افترقا في الجلالة، وقِدَم السماع، فلا يكون الطريق إلى البخاريّ كالطريق إلى أبي عمر السماك.

أخبرنا أبو نصر عبد السيد بن محمد الفقيه البغداديّ بأصبهان، قال: أنا أبو عليّ الحسن بن أحمد بن شاذان، ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، ثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله المنادي، ثنا روح بن عبادة، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس قال: سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لأبيّ ابن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن"، قال: آلله سماني لك؟ قال: "نعم" قال: وقد ذكرت عند ربّ العالمين؟ قال: "نعم"، فذَرَفَت عيناه. أخرجه البخاريّ عن أحمد بن أبي داود، وكذلك كان يسمّيه البخاريّ، وهو أبو جعفر هذا. والله أعلم.

وعلى هذا القياس، فهذه قاعدة إذا وقفت عليها قِستَ عليها طبقات الصحابة، ثم هلُمّ جرّا إلى عصرنا هذا.

(الدرجة الرابعة من العلوّ): أقوام لا يقع حديثهم إلى محدّث زماننا إلا بتلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015