شرب لبنًا، وعن يساره أبو بكر وعمر، وعن يمينه رجلٌ أعرابيّ، فأعطى الأعرابيّ فضله، ثم قال: "الأيمن، فالأيمن" (?).
فهذا الحديث بعينه قد وقع من حديث الزهريّ عاليًا، إلا أنه من طريق الأوزاعيّ لا يقع أعلى من هذا، فيكون علوّنا إلى الأوزاعيّ فيه عنه، فإن العبّاس بن الوليد ممن روى عنه أبو داود، وأبو زرعة، والنسائيّ، وغيرهم.
وعلى هذا المثال سائر الأئمة الذين تقدّمت وفاتهم، ثم لم يقع حديثهم إلى المحدّث بعلوّ، فهذه العدّة علامة العلوّ إليهم.
(والطبقة الثانية): من الأئمة الجماعة الذين قدّمنا ذكرهم، وأمثالهم، فأغنى عن إيراد مثال يُستدلّ به على منزلتهم.
(والطبقة الثالثة): قوم تأخرت وفاتهم، وتقدّم سماعهم من متأخري التابعين الذين وصفناهم، كيزيد بن هارون، ومحمد بن عبد الله الأنصاريّ، وأبي عاصم النبيل، وعبيد الله بن موسى، وغيرهم.
(الدرجة الثانية من العلوّ): تقدّم السماع وتأخره، مثاله أن يسمع تابعيّ من صحابيّ حديثًا، وتقدّم وفاة ذلك التابعيّ.
مثاله: ما حدّثنا أبو القاسم عليّ بن أحمد البندار ببغداد، قال: أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلّص، ثنا أبو القاسم البغويّ، ثنا شيبان بن فرّوخ، ثنا مبارك ابن فَضَالة، ثنا الحسن، عن أنس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة، مسندًا ظهره إليها، فلما كثر الناس، وقال: "ابنوا لي منبرًا"، فبنوا له عتبتين، فلما قام على المنبر، فخطب، حنّت الخشبة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حنين الواله، فما زالت تحنّ حتى نزل إليها، فاحتضنها، فسكتت" (?).
فكان الحسن إذا حدّث بهذا الحديث بكى، ثم قال: يا عباد الله الخشبة تحنّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شوقًا إليه، لمكانه من الله عز وجل، فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إلى لقائه.
فالحسن بن أبي الحسن البصريّ رحمه اللهُ سمع هذا الحديث من أنس، وتوفّي في رجب سنة عشر ومائة.
ثم يروي عن أنس تابعيٌّ آخرُ، مثاله: ما أخبرنا أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسين بمرشت -قرية من رستاق مرو روذ- قال: أنا أبو الفضل الرشيديّ، ثنا أبو بكر