الله بن أبي أوفى، وبالبصرة أنس بن مالك، هؤلاء آخر من بقي من الصحابة في بلاد الإسلام، وأدركهم جماعة من العلماء، فسُمّي من لقي منهم تابعيّا، وإن كان صغيرًا وقت السماع، أو كبيرًا، إلا أن الرواة عن هؤلاء الصحابة على حزبين: صادق في لقيّه لهم، وكاذب، وقد قدّمنا من هذه سِمَته من كلا الفريقين.
(والقسم الثاني من الدرجة الثانية): علوّ المحدّثين إلى الإمام، ثم نزول الإمام بعدُ إلى الصحابة، ومثاله: ما أخبرنا أبو القاسم فضل بن عبد الله المفسّر بنيسابور، ثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الزاهد، ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السرّاج، ثنا غياث بن جعفر، ثنا سفيان، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سُليم، عن أبي قتادة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليُصلّ ركعتين قبل أن يجلِس" (?).
فهذا الحديث عالٍ إلى أبي محمد سفيان بن عيينة، فإنه أحد الأئمة، أدرك جماعة من التابعين، وروى عنهم، إلا أنه نزل إلى الصحابيّ في هذا الإسناد من طريق العدد، فافهم.
أخبرنا أبو بكر الأديب بنيسابور قال: أنا الحاكم أبو عبد الله قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعيّ يقول: سمعت بشر بن موسى يقول: سمعت الحميديّ يقول: سمعت سفيان يقول: رأيت شعبة، وثمانين نفسًا من التابعين.
رجعنا الآن إلى شرح طبقات الأئمة، فرَتَّبْتُهُم على ثلاث طبقات، وكلّ طبقة منها تنقسم على طبقات، إلا أنا هَهنا نذكرها مجملة، كما فعلنا في طبقات التابعين.
(الطبقة الأولى): قوم حدّثوا عن التابعين، وتقدّمت وفاتهم، فلا يقع الحديث إلى واحد منهم إلا بزيادة رجل في الإسناد عن الحدّ الذي شرطناه.
فمن تقدّم من الأئمة، مثل ابن جريج، والأوزاعيّ، ويونس بن يزيد، وأقرانهم، فإن هؤلاء حدّثوا عن الزهريّ، وغيره من التابعين، فقد يقع الحديث إلى الزهريّ من غير طريقهم عاليًا، إلا أنا إذا أوردناه عن واحد منهم، فلا يقع لنا بالعدد الذي قدّمنا ذكره.
مثاله إلى الأوزاعيّ: ما أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الكاتب بشيراز، قال: أنا أبو الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: أنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتيّ، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت الأوزاعيّ قال: حدّثني ابن شهاب، عن أنس بن مالك أنه رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-