فيض القدير (صفحة 10116)

من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: قال الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في الصحيحة 690: أخرجه أحمد (6 / 47) والحسن بن عرفة فى جزئه (2 / 2) ومن طريقه ابن بلبان فى تحفة الصديق فى فضائل أبى بكر الصديق (50 / 1) من طريق عبد الرحمن بن أبى بكر القرشى عن ابن أبى مليكة عن عائشة قالت: " لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبى بكر: إئتنى بكتف أو لوح حتى أكتب لأبى بكر كتابا لايختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال " أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر " وقال ابن بلبان: تفرد به ابن أبى مليكة أبو محمد ويقال له: أبو بكر القرشى. قلت: وهو ضعيف لكنه لم يتفرد به فقال أحمد (6 / 106) : ثنا مؤمل قال ثنا نافع يعنى ابن عمر ثنا ابن أبى مليكة به نحوه. وهذا إسناد جيد فى المتابعات نافع هذا ثقة ثبت ومؤمل هو ابن إسماعيل وهو صدوق سىء الحفظ كما فى التقريب. وله طريق أخرى من رواية عروة عن عائشة قالت: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه: " ادعى لى أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإنى أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " أخرجه مسلم (7 / 110) وأحمد (6 / 144) وله طريق ثالث يرويه القاسم بن محمد عنها نحوه ولفظه: لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبى بكر وابنه وأعهده أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون أخرجه البخارى (4 / 46 ـ 47 405 ـ 406) . طريق رابع يرويه عبيد الله بن عبد الله عنها قالت: " لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ميمونة. . . فقال ـ وهو فى بيت ميمونة لعبد الله بن زمعة: مر الناس فليصلوا فلقى عمر بن الخطاب فقال: ياعمر صل بالناس. فصلى بهم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فعرفه وكان جهير الصوت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا صوت عمر؟ قالوا بلى قال: يأبى الله جل وعز ذلك والمؤمنون مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة: يارسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمعه. . . الحديث. أخرجه أحمد (6 / 34) من طريق معمر عن الزهرى عنه. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وخالفه عبد الرحمن بن إسحاق فقال: عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر. أخرجه أبو داود (4661) . فجعله من مسند ابن زمعة ولعله الصواب فقد قال ابن إسحاق: حدثنى الزهرى حدثنى عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: فذكر نحوه وزاد بعد قوله: يأبى الله ذلك والمسلمون: فبعث إلى أبى بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس. أخرجه أبو داود (4660) والسياق له وأحمد (4 / 322) . وهذا سند جيد. قال النووي في شرح مسلم: (2387) قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (ادعي لي أباك أبا بكرة وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا ولا يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة: (أنا ولا) بتخفيف: (أن ولا) أي يقول: أنا أحق؛ وليس كما يقول: بل يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. وفي بعضها أنا أولى: أي أنا أحق بالخلافة في هذا الحديث دلالة ظاهرة لفضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإخبار منه صلى الله عليه وسلم بما سيقع في المستقبل بعد وفاته وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره. وفيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع ووقع كل ذلك. وأما طلبه لأخيها مع أبي بكر فالمراد أنه يكتب الكتاب. ووقع في رواية البخاري: (لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه وأعهد) ولبعض رواة البخاري (وآتيه) بألف ممدودة ومثناة فوق ومثناة تحت من الإتيان. قال القاضي: وصوبه بعضهم وليس كما صوب بل الصواب ابنه بالباء الموحدة والنون وهو أخو عائشة وتوضحه رواية مسلم: (أخاك) ولأن إتيان النبي صلى الله عليه وسلم كان متعذرا أو متعسرا وقد عجز عن حضور الجماعة واستخلف الصديق ليصلي بالناس واستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة. والله أعلم. وفي صحيح البخاري (5666) حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكرياء أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد قال: " قالت عائشة: وا رأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة وا ثكلياه والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وا رأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون " قال الحافظ في الفتح: قوله: (وارأساه) هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع وعند أحمد والنسائي وابن ماجه من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة " رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وارأساه ". قوله: (ذاك لو كان وأنا حي) ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت أي لو مت وأنا حي ويرشد إليه جواب عائشة وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ولفظه: " ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك " وقولها " واثكلياه " بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد وليست حقيقته هنا مرادة بل هو كلام كان يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها. وقولها " والله إني لأظنك تحب موتي " كأنها أخذت ذلك من قوله لها " لو مت قبلي " وقولها " ولو كان ذلك " في رواية الكشميهني " ذاك " بغير لام أي موتها " لظللت آخر يومك معرسا " بفتح العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف يقال أعرس وعرس إذا بنى على زوجته ثم استعمل في كل جماع والأول أشهر فإن التعريس النزول بليل. ووقع في رواية عبيد الله " لكأني بك والله لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله " بل أنا وارأساه " هي كلمة إضراب والمعنى: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي وزاد في رواية عبيد الله " ثم بدئ في وجعه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم ". قوله: (لقد هممت أو أردت) شك من الراوي ووقع في رواية أبي نعيم " أو وددت " بدل " أردت ". قوله: (أن أرسل إلى أبي بكر وابنه) كذا للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون ووقع في رواية مسلم " أو ابنه " بلفظ أو التي للشك أو للتخيير وفي أخرى " أو آتيه " بهمزة ممدودة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان بمعنى المجيء والصواب الأول ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه. وقال: ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم " ادعي لي أباك وأخاك " وأيضا فإن مجيئه إلى أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته. قلت: في هذا التعليل نظر لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة. ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم " لقد هممت إلخ " وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة وإن كان ظاهر الحديث بخلافه. ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة فكأنه يقول: كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك هذا إن كان المراد بالعهد العهد بالخلافة وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض محارمها حتى لو احتاج إلى قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك. قوله: (فأعهد) أي أوصي. قوله: (أن يقول القائلون) أي لئلا يقول أو كراهة أن يقول. قوله: (أو يتمنى المتمنون) بضم النون جمع متمني بكسرها وأصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة وفيه مداعبة الرجل أهله والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية فكم من ساكت وهو ساخط وكم من شاك وهو راض فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان والله أعلم. وقال الحافظ في شرح الحديث في كتاب الأحكام: قوله (فاعهد) أي أعين القائم بالأمر بعدي هذا هو الذي فهمه البخاري فترجم به وإن كان العهد أعم من ذلك لكن وقع في رواية عروة عن عائشة بلفظ " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا وقال في آخر ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " وفي رواية لمسلم " أدعي لي أبا بكر أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " وفي رواية للبزار " معاذ الله أن تختلف الناس على أبي بكر " فهذا يرشد إلى أن المراد الخلافة وأفرط المهلب فقال: فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر والعجب أنه قرر بعد ذلك أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015