العقد، لأنه يجوز أن تكون تلك الفُرْقَة عنده على الاستحباب، فيكون يُفَارِقُ صاحبَه استحبابًا. كيف ولو لم نَحْمِلْهُ على هذا المعنى، لَزِمَ أن يكون مرتكبًا لأمر حرامٍ عندكم، والعياذ بالله. أليس قد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «ولا يَحِلُّ له أن يُفَارِقَ صاحبَه، خَشْيَةَ أن يَسْتَقِيله»، وهذا الحق واجبٌ عندكم، ومُسْتَحَبٌّ عندنا، فَيَلْزَمُ عليكم ترك الحق الواجب، فلا حُجَّةَ لكم في فعل ابن عمر.
قلتُ: أمَّا كون خيار المَجْلِسِ مُسْتَحَبًّا عندنا، فذاك أمرٌ أوجده المتأخِّرون من عندهم على طريق المعارضة، وليس منقولا عن الإِمام. كما أن ترك الفاتحة للمقتدي رُوِي عن الإِمام، أمَّا إن هذا الترك في أيِّ مرتبةٍ هو؟ فذلك أمرٌ أوجده المتأخِّرون، وليس مَرْوِيًّا عن الإِمام، فذهب ابن الهُمَام أنها مكروهةٌ تحريمًا. وزَعَمَ الناسُ أن تلك الكراهة مَرْويّةٌ عن الإِمام، مع أنا لا نجدها مَرْوِيَّةً عن إمامنا في موضعٍ. غير أن النهيَ عن القراءة إذا نُقِلَ عنه، ذهبت أذهانُ الناس تَبْحَثُ عن مراتبه، فحملها بعضُهم على الكراهة. فهكذا الأمرُ في استحباب خِيَار المَجْلِسِ، فإنه لم يُنْقَلْ عن إمامنا، وإنما قاله المتأخِّرون احتمالا وبحثًا، على طَوْرِ المعارضة لا على طريق المذهب.
بقي الجواب عن فعل ابن عمر، فأقولُ: إنه وإن كان راوي الحديث، لكنه فعله فقط، ولا يَدُلُّ على كونه تَعَامُلا فيما بين الصحابة أيضًا. حتى نُقِلَ عن مالك: أنه كان يَشْرَحُ هذا الحديث، إذ جاءه ابن أبي ذِئْب، وكلَّمه فيه، فقال له مالك: ليس (?) العملُ عليه في بلدتنا، وأَمَرَ بإِخراجه