فهل من حاجة إلى القول بأن مفهوم ((الحضانة)) قد مسخ البتة في مثل هذه الحالة، وأننا نجد أنفسنا فيها أمام وضع مثير بما يحتوي عليه من شذوذ.

هذا الوضع هو الصورة الحقيقية لموقف الاستعمار إزاء مصالح الشعوب المستعمرة المعنوية والمادية.

وعندما نعبر عنه بمصالح القانون الذاتي- كما فعلنا هنا- ندرك أنه موقف لا يتلاءم مع أي مفهوم شرعي.

والواقع أن الاستعمار يذهب إلى أبعد من ذلك في الشذوذ.

فهو لا يستهدف تحطيم ((القاصر)) ماديا فقط، بتطبيق ما يتطلب هذا التحطيم من اختلاسات حقوق، وسلب أملاك، وفرض مخالفات مشتركة، وضرائب من كل نوع، ومن تنمية البطالة في البلاد إلى درجة لا يتصورها العقل .... إن هدفه أبعد من ذلك، فهو يريد تحطيم كل إرادة أو شبه إرادة تدفع الإِنسان المستعمَر إلى التقدم والحضارة، ببرنامج يتضمن كل ما يتطلبه هذا التحطيم العنوي، من تلويث أخلاقي يحط أولا من قيمة الفرد الشخصية، ومن كفاءته، ومن جهده في المسابقة الاجتماعية، لأن هذه المسابقة تجري بحيث تكون المحسوبية هي الشرط الوحيد للنجاح فيها، كما أن الشرط الوحيد للنجاح في الانتخابات في البلاد المستعمرة هو رضاء الادارة الاستعمارية على الذي يفوز فعلا ويلقب ((النائب الحر)). كما تصبح من ناحية أخرى المخدرات والكحول مؤسسة من مؤسسات الحكم، لا يقف أحد إِزاءها موقفاً عدائياً إلا ويعرض نفسه كيما يُعَلَّمَ عليه في ملفات البوليس بأنه ((شخص خطير)).

إنه يمكننا أن نلخص هذا الجانب في كلمة واحدة: إنه أيسر على ((القاصر)) أن يحصل من السلطات الاستعمارية على رخصة فتح مقهى من أن يحصل على رخصة فتح مدرسة. وحتى رخصة المقهى فإنها خاضعة لبعض الشروط: يجب أن يكون المقهى ميدانا معدا لكل ما يخالف الأخلاق من قمار، ولكل عمل مشبوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015