فيه، وإلا ... فإنه يغلق أبوابه بأمر من السلطات الاستعمارية ... عند أول فرصة.
لقد استمعت، سنة 1932، إِلى محاضرة في أحد المعابد البروتستانتية بباريس، يذكر فيها المحاضر، في نطاق حديثه عن العالم الإِسلامي، القصة الغريبة التي حدثت لمقهى عربي، بإحدى ضواحي العاصمة: فصاحب المقهى كان لا شك مسلما يعمل بأوامر دينه، حين لا يتعاطى المشروبات المسكرة، ولا يسمح بالقمار في محله ... وسرعان ما وجد نفسه، هذا ((الشخص الخطير)) في مضايقات أحاطه بها البوليس في كل يوم.
ولقد أدرك هذا الرجل خطورة انتهاج سبيل الفضيلة فتركه ليمشي في سبيل الرذيلة، حينئذٍ تركه البوليس يتنفس.
فنحن ندرك على ضوء وقائع كهذه، الخطة السرية- ويكاد السر هنا يكون مكشوفا- التي يتبعها الاستعمار لتلويث المستعمَر والحط من كرامته، حتى لا يبقى له أي استعداد ولا عدة للتطور إِلى ما هو أحسن أدبياً ومادياً.
وهكذا ... كلما وضع الاستعمار الترتيبات اللازمة لإفقار المستعمَر مادياً، فإنه يتبعها بالترتيبات الخاصة بتلويثه الأخلاقي، ليزيد الافقار والتلوث معاً في اتساع الهوة التي يجعلها أمام ((القاصرة)) حتى لا يستطيع بلوغ رشده أبداً.
وهكذا ندرك لماذا يفضل الاستعمار شيئا من الغموض حول مواقفه إزاء قضية تحرير الشعوب المستعمرة، حتى إذا اضطرته الظروف الدولية للحديث في مثل هذا الموضوع، فإِنه يفضل أن يتحدث عن ((مراحل التحرر اللازمة)) دون أن يحدد طبيعة هذه المراحل ولا مدتها. هذا بالنسبة إلى المستوى الدولي، أما بالنسبة إلى علاقة ((الحامي)) بـ ((القاصر)) مباشرة، فإن الأشياء تكون على جانب أكثر من الوضوح: فكل مطالبة من قبل ((القاصر)) للمستعمر كيما يعترف برشده يعتبر خروجاً عن الطاعة، وصاحبه يرتكب في نظر الاستعمار، أو في أقواله،