الحقيقية بتونس اليوم، وأن العقدة ليس حلها بباريس ولكن بتونس، أي في مأمن من القانون ومن ((الشهود)).

فهذه الملاحظات تدل على جانب ضعف وعلى وصمات سوداء في كتاب مشرق بالنور في نواحيه الأخرى .. ولكن ربما وقع المؤلف بما كان يحذر منه، فقد أراد أن يتجنب التورطات السياسية في كتاب يستولي عليه روح العلم إلا أن صاحبه تورط في بعض التعليقات وبعض الاستنتاجات المستعجلة.

ولقد نجد أنفسنا حائرين ونحن نقرأ الكتاب في هذه النقط السوداء: هل نربطها منطقياً بمسلمات الكتاب؟ أم ننسبها إلى ميل في نفس صاحبه إلى المساهمة في بعض الآراء الاستعمارية؟.

فعندما نرى الكاتب، بعد إدانته ((النزعة الأبوية)) في نفسية الاستعمار أي النزعة التي تجعل المستعمِر يطالب بحق الرقابة على المستعمَر، بدعوى أنه لم يبلغ رشده، نراه بعد ذلك يستخدم استعارة يستعيرها مما كتب الدكتور أندري برج عن ((الإِنسان العصري)) تراه يطبقها على الملقاشي ويحكم عليه بأنه ((لم يدرك بعد سن اليتم)) أي السن الذي يكون فيه الفرد قد تخلص من سلطة الوالدين وهو يشير طبعاً لسلطة الحماية الاستعمارية.

فعندما نقرأ استعارة كهذه في الكتاب، لا نعرف هل نربطها بمقدماته المنطقية، أم ننسبها إلى ورطة يقع فيها صاحبها دون شعور. وهكذا نجد نفوسنا حائرين أمام هذا الحكم ((العلمي)) الذي لا يصيب الحركة الوطنية في مدغشقر فقط، بل يصيب الحركات الوطنية التحررية كلها، وكفاح الشعوب المستعمرة من أجل حريتها، خصوصاً أن المؤلف يقرر بصفة عامة وجود ((نفسية أهلية))، كما كان ليفي بروهل يقرر العقلية البدائية ..

بل إن الكاتب يذهب أكثر من ذلك في اتجاه الفكر الاستعماري، عندما يصور ((النخبة البدائية)) كما صورها ليفي بروهل. ويضع على لسان من يمثلها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015