في رأي منوني إلي إِزاء النزعة الاستعمارية، التي يسميها الرغبة في ((عالم دون بشر)) أليس من الأصح أن نسميها الرغبة في عالم بلا شهود؟ لأن كل من ينطوي على مركب الجريمة يحتاط من الشهود ويحقد عليهم، فالأوروبي القاطن بالمستعمرات يحتاط أحياناً من أخيه الذي يأتي زائراً من الوطن، لأنه يخشى منه أن يكون شاهداً على جريمته في سلوكه الاستعماري مع أهل البلد .. فالجزيرة البعيدة تكون إذا بالنسبة إليه بمثابة المكان الذي يجد فيه مأمنه المكان الذي لا تدركه فيه سلطة القوانين والأَخلاق والعادات.

ومهما يكن من الأمر فتحليل منوني يكشف لنا عقدة مرضية في الرسالة الاستعمارية، ولكنه لا يقف فيما يبدو عند الاحتمال الذي تكون فيه، كما نشعر بذلك أحياناً، هذه العقدة عاملا لا حضارياً أو فاسخاً للحضارة، كما يلاحظ ذلك أميه سيبزر في محاضرة ألقاها أخيراً عن المشكلة الاستعمارية.

وهذا العمل الفاسخ للحضارة واضح في ظروف معينة لأن كل مناسبة تتخذ فيها ((فكرة الأوروبي القاطن بالمستعمرات)) الصدارة على فكرة الأوروبي الساكن بالوطن الأم، تكون هذه مناسبة ينتصر فيها الظلم على القانون، والامتياز على الحق، والكسل على العمل، والمادة على الروح. أي أنها مناسبة تنتصر فيها النزعات اللاحضارية على القيم الحضارية، وفيها حركة تنعكس فتصبح سيراً الى الوراء، وعالم ينقلب فيرفع قدميه ويمشي على رأسه.

وعندما ننظر إلى الأشياء هذه النظرة، يعترينا شيء من الدهشة، حينما نرى المؤلف يشاطر أكثر من مرة الرأي الاستعماري الذي يرى أن ((المستعمِر)) أجدر من الأوروبي الذي لم يخرج من بلاده في تفهم القضايا القائمة بين الشعوب المستعمَرة والدول الاستعمارية وأنه أجدر بتحديد سياسة هذه الدول فيما وراء البحار، كان القضية قضية اختصاص في جريمة، على مذهب المسيو كاونه الذي يعتقد فيما يخص تونس، أن المشكلة القائمة هناك ليست بين الشعب التونسي المكافح وفرنسا، ولكن بين هذا الشعب والفئة الاستعمارية التي بيدها السلطة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015