ولكن المهم في الأمر، هو أن منوني يصور لنا شخصية الأوروبي بحيث ندرك مباشرة الصلة الدقيقة الموجودة بين الفرد الذي تخلص من ((رعاية الأم)) والذي فارق الوطن الأم: الفرد الذي يغادر وطنه ويشق البحار من أجل أن ((يستعمر)) بلداً بعيداً.

ولكن هذه ((الرسالة الاستعمارية)) تطابق، في نظر المؤلف، حالة نفسية غريبة يحللها بكل دقة في شخص روبنسون كروزويه R.Crusoé وفي شخص آخر، بروسبيرو Prospers في إِحدى قصص شكسبير ((العاصفة)) La Tempète فيكشف في شخصيتهما نزعة يعتبرها أساسية في تحديد الشخصية الاستعمارية ويسميها ((الرغبة في عالم خال من البشر))، وفي هذا السياق نراه يكتشف أيضاً نزعة ابن المستعمرات أي مركب التبعية في شخص كليبان، رفيق بروسبيرو الذي يعيش معه في موقف استعماري حقيقي.

ولكن ((عندما نشر دنييل دوفويه عز وجلaniel عز وجلefae)) (?) حلمه الذي أودعه في قصته المشهورة، وجدت أوروبا نفسها أنها تحلم الحلم نفسه، أو بعبارة أخرى أن الرغبة في عالم خال من البشر ((صفة نفسية أوروبية شاملة تسم الروح الغربية بصورة عامة)) والمؤلف يرى في هذه السمة بما تشتمل عليه من نزعة ضد البشر، الشيء الذي يحدد الرسالة الاستعمارية في جذورها النفسية.

وكأنه في هذا كله يفسر معطيات النفس بخاصيات المكان، أو الاستعمار كظاهرة تتصل بجغرافية أوروبا التي تحدد نظرتها إلى العالم البعيد.

ولكننا نلاحظ بدورنا أن سحر البعد على العقول لا يخص أرضاً دون أخرى، ولا عصراً دون آخر بينما لا نجد أثر هذا التأثير الغريب على الاستعدادات النفسية كما أثر عليها في أوروبا حتى بعث فيها الروح الاستعمارية، ونلاحظ بوجه خاص أن سحر ((العالم البدائي)) لم يعمل عمله لأول مرة في أوروبا، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015