فالإنسان ليس ((الكم)) بل ((الصفة)) التي قرنها الله بالتكريم في سلالة آدم، فالمسلم يكرم هذه الصفة بصورة مطلقة.
وكما هو منتظر فإن هذا التكريم له آثاره المحسوسة في الحياة: في التشريع وفي الآداب وفي العادات ...
فالإسلام يقرر لأقل عبد رقيق الحق في العتق إذا ما تبين أن ربه ظالمه في العمل أو في الغذاء.
ونرى الخليفة عمر يخضع للواقع عندما ترفض عجوز يهودية أن تسلم حقها في مِلْك يقع في حرم المسجد الذي بني بالمقدس.
وفي رحلات العرب، إِبان العصر الذهبي، مثل رحلات ابن بطوطة والمسعودي وأبي الفداء فإِننا لا نجد فيما يكتبون عن الشعوب والقبائل البدائية المكتشفة أي ثرثرة تشوه إنسانية هذه الشعوب، ولا نرى في اتصالهم بها أي آثار للكبرياء في علاقات الإنسان المتحضر العربي إزاء الإِنسان البدائي، ولا نجد فيما كتبه الرحالة العرب المصطلحات الدارجة التي تعبر عن الإنسان بالتشويه، والسخرية والاحتقار مثل العبارات التي أوجدتها لغة الاستعمار للتعبير عن الإنسان المستعمَر.
فشرف الإِنسان محرم في الإسلام حتى في الصورة التي عليها ملامحه في قطعة من الورق، فالمسلم يستحي بطبيعته من أن يستعمل هذه القطعة للاستبراء مثلا، بينما تجد صورة شيخ ذي وقار أو صورة فتاة ذات جمال فتان ملطخة في أماكن الراحة في البلاد المتحضرة، بل أكثر من ذلك، إنك لا تجد في هذه الأماكن في البلاد الإسلامية مجرد الورق المكتوب، لأن الكتابة في نظر المسلم البسيط صورة لفكر الإنسان، فهي على ذلك مقدسة.
فهذه الأشياء الطفيفة تحمل أثراً أعمق لفلسفة الإِنسان من تلك الكلمات المنمقة، التي تعبر بها عن تلك الفلسفة، البلاد التي أعدت مصطلح هذا المفهوم بحرفه، وزهدت في معناه، كما هو أعمق من هذا المفهوم نفسه، في ضمير أولئك