في مهب المعركه (صفحة 176)

في ملامح هذا الوجه المريح المتفتح المستبشر: فلا شك أنني رأيت وجوهاً أكثر غموضاً منه بشوارع الجزائر أو باريس، مع أنني لم آلف بعد الوجوه الصينية. ومن المحتمل جداً أنني لم أر منها في حياتي العدد الذي رآه صاحب المجلة.

هكذا نجد أنفسنا، فجأة، في نقطة تقاطع، تتقاطع فيها نظريتان عن الإِنسان. ولقد أشعر بأن هذه الملاحظة كأنها تلتقط صورة غير مؤهبة، لنظرية أخرى عن الإنسان، صورة حية برزت من ضميري مباشرة كمسلم، في حالة شعور عابرة أو عن لا شعور، ليعبر عن شيء يمكن أن نطلق عليه ((فلسفة الإنسان في الإسلام)).

وإِنني أقدر موقع التعجب الذي تقعه هذه العبارة في ذهن من يقدر الكلمات بحرفها أكثر من معناها، إن معرفتي القليلة بأصول اللغة العربية لا تتيح لي الحكم الجازم بوجود كلمة عربية تعبر عن كلمة Humanisme [ التي نترجمها هنا بعبار فلسفة الإنسان] ولكن روح هذا المفهوم ليس مرتبطاً بلفظه، كما أن واقعه ليس خاصاً بإِدراك عقل عالم، بل هو في متناول أي ضمير بمجرد اتصاله الطبيعي بالإنسان.

فهذا الاتصال هو الذي يحمل معنى الكلمة ويعبر عن واقعها.

فإذا تحدثنا عن ((فلسفة الإنسان في الإسلام)) فإننا نعبر عن نوع اتصال بالإِنسان خاص، وضع فيه الإسلام أساساً غيبياً، حتى إن الضمير الإسلامي لا يمكنه أن يفصل مفهوم ((الإنسان)) عن هذا الأساس الغيبي، دون أن ينفصل هو عن الإِسلام الذي قرن هذا المفهوم بتكريم الله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.

وهذا التكريم ليس خاصاً بالعربي أو المسلم بل بنوع ((ذي اليدين))، كله من ذرية آدم، ذي اليدين الذي يتمتع في نظر الضمير المسلم بقيمة تفوق كل قيمة طبيعية تحتمل ((الكم)).

إِذ ((الإنسان)) ليس، في نظر المسلم، ((الكم)) الذي تجري عليه الاحصائية والوزن، أي الشيء الذي تجري عليه تجارب المختبر، وعمليات المصنع، وحاجات الجيش.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015