وتصاغ للتعبير عن هذا الانفصال الكلي الكلمات المناسبة: فكل ما ليس بأوروبي فهو ((الأهلي المتوحش))، ولا يخرج عن هذه القاعدة أحد في أوروبا، حتى ماركس الذي ثارت ثائرته يوما، في وثيقة خرجت من يدي ومن ذاكرتي، عندما رد بكل عنف على مؤرخ معاصر له، لأن هذا المؤرخ قد وضع على صعيد واحد، في نظره، ((آسيا)) في ذلك العهد وإلى حد ما اليوم أيضاً، في درجة ما من التأخر بالنسبة إلى أوروبا، ولكن ماركس كان يدلي بحكمه في القضية بصورة قطعية مطلقة، كأنهما آسيا في نظره، خلقت لتكون على طول الزمن ((آسيا المتوحشة)) ...
ولكن مثل هذه الأحكام لا تخضع للمنطق حتى عند ماركس، لأنه لا يحكم هنا بما يمليه العقل ... ولكن بما يمليه الوسط والثقافة.
الواقع- كما يلاحظ المسيو شواب- هو أن صورة ((الشرق)) في الذهن الغربي تتجلى من خلال عاطفة متعالية ومطلقة، تعبر عن شعور الغرب نحو نفسه ونحو الآخرين.
غير أن القضية تستحق مزيداً من الوضوح: فإِن هذا التعالي المطلق ليس - فيما يخص الحقل الفكري على الأقل- واقعا خاصاً بطبقة معينة، إذ أن الفرد الأوروبي يحمل جراثيم هذه الكبرياء دائما لأنه يتلقاها من الجو الأمومي الذي يتكون فيه منذ الطفولة، ويتكون فيه تصوره للعالم وللانسانية، فهو يعتقد، على وجه الخصوص، أن التاريخ والحضارة يبتدئان من أثينا، ويمران على روما، ثم يختفيان فجأة من الوجود لمدة ألف سنة، ثم يظهران من جديد بباريس في حركة النهضة .. أما قبل أثينا فليس شيء يذكر في ذهن هذا الفرد المشحون بالكبرياء ... الذي لا يرى بين أرسطو وديكارت إلا الفراغ.
وإننا- عندما نلاحظ هذه الملاحظات- لا نشير إلى أسرة الفراشين المحترمين في الجامعات الغربية، بل نعني أساتذة هذه الجامعات أنفسهم.
إن هذه النظرة الخاصة للغربيين هي التي تشوه منذ اللحظة الأولى فلسفة