ولكن القضية على جانب من الأهمية تستحق أن توضع في التاريخ في حدودها الحقيقية.
إن الرأسمالية تفسر، لا شك، أشياء كثيرة في النفسية الأوروبية ولكنها لا تفسر كل شيء.
لقد أشرت في مرة سابقة، في فصل من فصول كتاب ((شروط النهظة)) إلى أن الاستعمار نكسة في تاريخ الإِنسانية تعود بالتاربخ إلى العهد الروماني.
ويجب أن نلاحظ أن هذه النكسة لم تقع في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، عندما بدأ يتكون الوضع الرأسمالي والاستعماري في أوروبا، بل وقعت في غرة القرن السادس عشر، مع تلك الحركة المعقدة التي يسميها التاريخ حركة النهضة، والتي عبرت عن نفسها بأنها ((رجوع إلى العهد الروماني والاغريقي)).
إن دراسة ظهرت هذه الأيام في علم الإِنسان بقلم المسيو ريموند شواب، تحت عنوان ((النهضة الشرقية)) تبين كيف وقع أفول للانسانيات في الغرب بهذا ((الرجوع إلى العهد الروماني)).
إنني أطالع، بكل أسف، هذه الدراسة، ولكنني شعرت بقيمتها من خلال ما قاله فيها النقد، حيث يقدمها لنا على أنها ((دراسة كبيرة توسع نطاق الإنسانيات)) ويقدم صاحبها لنا على أنه يرى ((في التقاليد الرومانية، لا في القيم المسيحية)) السبب الكبير، إن لم نقل الوحيد، لانفصال الفكر الغربي عن الإِنسانية الشرقية.
إن هذه الكيفية في فهم القضية سليمة، فيما يبدو لي، ولكنها تقتصر على اعتبارها بالنسبة إلى محور (الشرق - الغرب) فقط، مع أن الحقيقة تشمل موقف الأوروبي إزاء الانسانية بصفة عامة، إذ أنه في حالة انفصال عنها. منعزل عنها، ملتفت عنها كأنه ليس منها، بل يتربص بها الدوائر، كي يجعل منها ((حاجة)) يملكها، و ((شيئاً)) يغتصبه، عندما تدق ساعة الفتوحات الاستعمارية.