السلبية، ولكنه لو فعل لداس الثقة النبيلة التي يكنها ضمير تلك الحشود البشرية التي ألقت- حين ألقت بنفسها على عرض الطريق- ألقت على ضمير الجندي الانجليزي عبئا ثقيلا، عبء حياتها وطموحها وصلاتها، وهكذا تقهقر الجندي الانجليزي من أجل أن لا يدوس ضميرَه وعظمةَ وطنه، وشرف ثقافته.
وكان موقفه هذا كأنه الرد بكلمة ((نعم)) على الثقة المتناهية التي عبرت بها تلك الحشود وكأنها واجهت العنف بكلمة ((لا)).
وهذا الرد الفذ بـ ((نعم)) يكمل معنى اللاعنف، يكمله كأنه حوار وفلسفة يرتكز مرتين على الثقة في الضمير الانساني.
وليس مما يخالف طبيعة المسلم أن يرى في هذه الفلسفة، انطباقها على التوجيهات التي يعرفها في دينه، حيث أن القرآن يحث على أن يكون الكلام مع الخصم، موجها إلى ضميره حتى يصبح كأنه (وليٌّ حميم).
وليس في هذه المقارنة ما يفاجئنا، إذ كانت اللحظات الأخيرة التي قضاها غاندي في هذه الدنيا مليئة بتلاوة القرآن والإنجيل والعهد القديم والبهاجفاقجيتا، يتلو غاندي هذه الكتب الواحد بعد الآخر، وكان يتلو القرآن بالنص الأردي قبيل موته.
ولكن هذه اللحظات التي كانت، في صورة ما، تحكي لحظات الحديث على الجبل، في حياة المسيح كانت في الوقت نفسه تنذر بخسارة لا تعوض، ستخسرها الإِنسانية في شخصه، لأن هذا الرجل كان يتقمص إلى درجة بليغة- الضمير الانساني في القرن العشرين، كان يستطيع إنقاذ وحدة الإنسانية الأدبية في أخطر لحظة من تاريخها.
وهكذا قدر لغاندي، داعية اللاعنف، أن يموت على يد العنف (?).
إِنها لسخرية نادرة، ولكنها تشبه إلى حد كبير، حكمة نادرة، تكررها