في مهب المعركه (صفحة 162)

ثم يستعيد العقل نفسه ..

إن هذا الهمس الذي مر على الأمواج، يمثل بالضبط نقيض زوبعة الكلام التي تنتظر زوبعة من التصفيق، إنها نبرة اللاعنف ذاتها .. ، النبرة الوحيدة التي تستطيع التعبير عن اللاعنف بالصوت ذاته ... هذا الصوت الضعيف الذي أبدى قوته القهارة على أربعمائة مليون من البشر سلحها بالصبر والبشاشة.

لقد رجعت الدبابات إلى الوراء وتقهقرت عند تلك الأجسام التي انفرشت على الأرض أمامها، تقهقرت أمام أفواه ترتل بعض الأذكار المقدسة وأمام أرواح منغمسة في صلوات صامتة.

إن جهاز الاستعمار الضخم وقف عند حده، وباء بالخسران أمام معزة غاندي، وسرباله (الساري) ومغزله، وصلواته وصيامه مع الجماهير وفي خلواته.

إن كل هذا المظهر الجذاب، الأسطوري لكفاح غاندي والانتصار الذي توجه بالتالي، أصبح مما تعارف عليه الناس في المستقبل على أنه فصل جميل من تاريخ الإنسانية التقليدي، ولكن هذا المظهر الذي ينعكس فيه بالخصوص الضمير الهندوكي، لا يفسر لنا وحده معنى اللاعنف .. فهناك مظهر آخر نريد لفت النظر إليه هنا لأنه يكمل فيما نعتقد، النبذة التي أردنا تقديمها في هذه السطور، مع مطابقة، من ناحية أخرى مع معنى من معاني القرآن.

إِن اللاعنف ما كان ((مقاومة)) فقط وما كان يعبر فحسب عن نافية شكليه، عن كلمة (لا) التي أفضى بها الضمير الهندوكي في المعركة، أي عن موقف سلبي في هذه المعركة، فاللاعنف كان أيضا موقفا إيجابيا في نواح أخرى، موقف الضمير الانجليزي ذاته وهو يرد ضمنا بكلمة ((نعم)) عندما يأخذه تيار المعركة ويفرض عليه الرد.

إنه كان في إمكان الجندي الانجليزي أن يدوس بدباباته تلك الحشود من البشر التي رقدت على عرض الطريق بشواع كلكوتا وبومباي أيام المقاومة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015