الذي يكشفون به ما يطلق عليه عندهم ((النزعة الانحرافية)).
ولكن هذه الاعتبارات، المتصلة بالجانب العملي في السياسة تفرض على النقد أن لا يكون غامضا، ملتويا، مغلقاً كلغز يكون مفتاحه في يد صاحبه فقط ... بل يجب أن يكون برهانا واضحاً بيناً مفتوحا لكل عقل حتى يفهمه ((القارئ)) وهو غالبا ما يكون رجل الشعب، دون تكلف، يفهمه كي يستفيد منه عن علم أو ليرفضه عن يقين.
إنه من الممكن أن يرى أحد القراء اعوجاجاً فيما أكتب، وأن يتفضل بتوجيه نقده لي، فمرحباً بهذا النقد وشكرا لصاحبه ما دام واضحاً في مبرراته وبرهانه حتى أستفيد منه، لا مجرد قول تمليه وتصحبه العاطفة.
وفيما يخصني فإنني- بقدر المستطاع- كنت دائما حريصاً على أن أقدم للقارئ ما يمكن من الوضوح فيما أكتب، حتى أمكنه من أداء واجب النقد، إن رأى لذلك مسوغاً.
ويبقى أن النقد يجب أن لا يكون موقف عداء يتبادل فيه خصمان الشتم والضرب ... بالأقلام والجمل ... بل موقفا فكرياً يتبادل فيه اثنان آراءهما.
فعندما أنتقد نشاطنا الاجتماعي وأتهمه بـ ((الذَرية)) أي بعدم الاتصال في الجهد والمبادرات، فإنني مع كل أسف لا أتصور وضعاً بل أصفه كما هو ... ذلك أنني أرى نشاطنا يبدأ فجأة ويذهب كذلك ... كأنه وثبة برغوث ... ولنعتبر على سبيل المثال كم، منذ نهاية الحرب، ظهرت مجلة في بلادنا ثم اختفت بالسرعة نفسها.
ولكن فلنغض الطرف عن مثل هذا السؤال، حتى لا يقال إنني أنتهز فرصة ... فمن يكتب حسب الفرص غير جدير بالكتابة، وربما هذا ما جعل دو هامل يقول، فيما يخص مهمة الكاتب: ((إنها ليست مهمة يتمتع صاحبها بالراحة)) ...
ولكن ماذا كان يقول لو كانت له تجربة من يعيش في البلاد المستعمرة؟