في مهب المعركه (صفحة 153)

أراد أن يؤدي رسالته كما ينبغي فإنه يجب عليه أن يبقى حراً ومنعزلا، أو بعبارة أخرى لا منتميا)).

ومهما يكن من الأمر فإن هذه الرسالة في جوهرها وبصورة عامة منوطة بموقف الفرد من الجماعة.

إنه من شر ما يكون بالنسبة إلى مصلحة وطن، أن يكون هذا الموقف مجرد تقليد. فإذا تخلى النقد عن حقه للتقليد والرضا بالواقع فإن القضية تنتهي عند التسوية، من أسفل، في الحياة الأخلاقية والفكرية، فتجمد الأفكار والطاقات الاجتماعية، وينتهي التقدم في الوطن.

إن البلاد التي أدركت هذا الخطر- كانجلترا- تعتزم على تكوين معارضة بجانب الحزب الذي يتولى الحكم، لتقوم في النطاق السياسي ((بواجب)) النقد. وليس هذا ((الواجب)) بالشيء البسيط، فهو يتضمن معنيين، أحدهما يتصل بالجانب الأخلاقي عندما يؤدي النقد وظيفة ((الشهادة)) للحكم القائم بأنه أصاب، ويتصل الثاني بالجانب الفني في صورة ((حكم)) على أعمال الذين بيدهم مقاليد السياسة.

وهكذا ترتبط فعالية النقد بشرطين: الإخلاص للشهادة، والكفاءة للحكم.

ولا يغني شرط منهما عن الآخر، إذ لو توفرت الكفاءة اللازمة للجانب الفني، وحدها، فربما تكون ((المهارة)) في السياسة مجرد شعوذة ودجل، كما لو توفر الشرط الأخلاقي، الإخلاص، دون الشرط الفني، فمن الممكن أن تكون السياسة في أيدي صبيان مخلصين في منتهى البساطة.

وفي كلتا الحالتين، فإِن ((النقد)) لا يقوم بدوره فهو لن يقوّم اعوجاجا، ولن يصلح فساداً، لأنه أعرج لا يمشي على رجلين، فلا يأتي بما يقوّم الأشياء، ولا بما يكمل ويوسع معانيها، ولا بما يهدي الأعمال إلى طريق الرشاد.

والشيوعيون تمرنوا أكثر من غيرهم على هذا الأسلوب وأدركوا هذه الحقائق، لأنهم مارسو االنقد، وما يسمونه ((النقد الذاتي)) على وجه الخصوص،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015