مشكلة الثقافة أي بالتالي موقفهما من مأساة البشرية.
ولا شك أن نموذج ((السائح المهتم)) كان مهتما جداً بالجانب التّافه والتائه من الحياة الغربية: في مقهى أو في مرقص، أي في كل مكان تتحلل فيه الحضارة وتنتهي فيه إلى مخلفاتها ((القتالة)) ... في مزبلة.
ومن ناحية أخرى فإنك تجد النموذج الثاني منغمسا في الجانب التجريدي والنظري من الحضارة الغربية: منكبا هنا على كتاب عاكفا هناك في مكتبة، مرابطاً من جهة أخرى في كلية، أي في كل مكان تتقطر فيه الحياة الغريية إلى خلاصتها العلمية مع عناصرها القاتلة أحيانا والمقتولة أحيانا أخرى ... في جو مقبرة.
وعندما يحاول ((الطالب المجتهد)) الفرار من هذه المقبرة فإنه يذهب يتسلى في قاعة برلمان ... أي إلى مقبرة أخرى.
فهذا هو واقع الأمر، من الناحية التحليلية، بالنسبة إلى 90% من النخبة المثقفة في العالم الإسلامي.
ولكن ما هو الواقع من الناحية الأخرى، ناحية التركيب؟
إِن التاريخ لا يهمل شيئا، بل يجمع معطيات الواقع كلها في معادلة واحدة:
فكذا مرقص + كذا مقهى + كذا كلية + كذا برلان = تحللا تاماً.
وهذه المعادلة تصور الطامة الكبرى التي تهدد كيان العالم الإسلامي اليوم ... والآن يبدو لي أن خطأ الأستاذ الزيتوني قد اتضح. فهو يخلط بين معطيات الحضارة التي تحلل الذرة ... وبين ما تعطيه لنا، أو على وجه الدقة، ما نأخذه منها من عناصر تحلل الأخلاق ...
الأمر يبدو هنا في منتهى الوضوح. فلو كان مضمون الحضارة الغربية لا يحتوي غير ((الأفكار القاتلة)) التي نستعيرها منها فإن خطرها يتجلى أولا بالنسبة إلى أوروبا، حيث يجري مفعولها بالنسبة إليها قبل أن يجري علينا في تلك المعادلة التي أشرنا إِليها.