في مهب المعركه (صفحة 144)

فهذه هي الصورة الصحيحة للمشكلة، حيث إنه من الواضح جدا أن المسؤول في الأمر ليس مضمون الثقافة الغربية الذي يتضمن فعلا هذه الأفكار الخطيرة، ولكن اتجاه فكر ما بعد الموحدين الذي يدفع هذه النخبة إلى انتقائها ... والواقع أن هذه النخبة تقوم بعمل انتقاء واختيار في مضمون ثقافي لا يتضمن الأفكار القاتلة فحسب، إذ إِنه- بكل وضوح- صالح لحضارة حية تشمل شروطها الأدبية والمادية حياة وتطور مئات الملايين من البشر الذين بيدهم اليوم مصير الإنسانية.

وعليه فإن ((الأفكار القاتلة)) التي نجدها في مضمون هذه الحضارة، ما هي إلا إفرازاتها وجانبها الميت، الجانب الذي يمتصه فكر ما بعد الموحدين في جامعات العواصم الغربية.

لماذا نركن إلى هذه العناصر القاتلة؟ لأن موقفنا من مشكلة الثقافة ليس صحيحا لا من الناحية الفكرية ولا من الناحية الاجتماعية (?).

ومن هذا الانحراف المزدوج ينتج انحراف آخر في موقفنا، عندما نريد البت في الموضوع. إننا نصدر حكمنا فيه تبعا لمن يذهب إلى البلاد الغربية إما في وضع ((الطالب المجتهد)) كما يمكن أن نتصور بعض ((الباشوات)) في عهد الدراسة، وإما في وضع ((السائح المهتم)) كما نتصوره في شخص فاروق من خلال زياراته إِلى عواصم أوروبا. فلا شك أن هاتين الحالتين تمثلان الوضع الذي يكون عليه النموذج الاجتماعي الذي يكون 90% من ((النخبة)) الإسلامية المحتكة بالثقافة الغربية.

وفيما يخصني فقد تعرفت بالحي اللاتيني على أجيال من هذين النوعين وقد هممت أحياناً (مع صديق جزائري يدرس الفلسفة) بفهم سيكولوجيتهما حتى نتكهن، بما سوف يكون مركزهما الاجتماعي وما سوف يكون موقفهما من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015