لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم، فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضا إذا وصفوه بجود وكرم، أو ببخل وشح وضيق، بإضافة ما كان من ذلك في صفة الموصوف إلى يديه كما قال الأعشى في مدح رجل:

يداك يدا مجد فكف مفيدة ... وكف إذا ما ضنّ بالزاد تنفق

... إلى أن يقول: فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم فقال: «وقالت اليهود يد الله مغلولة» يعني بذلك انهم قالوا: إن الله يبخل علينا ويمنعنا فضله فلا يفضل، كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف. تعالى الله عمّا قالوا، فقال الله مكذبهم ومخبرهم بسخطه عليهم:

«غلّت أيديهم» يقول: أمسكت أيديهم عن الخيرات وقبضت عن الانبساط». (?)

انصراف ابن جرير عمّا لا فائدة فيه

والطبري في تفسيره لا يهتم كغيره بالأمور التي لا تغني ولا تفيد، انظر اليه عند تفسير قول الله تعالى وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (?) يعرض لمحاولات قدماء المفسرين في تحديد عدد الدراهم، هل هي عشرون؟

أو اثنان وعشرون؟ أو أربعون؟ ... إلى آخر ما ذكر من الروايات .. ثم يعقب على ذلك كله بقوله «والصواب من القول أن يقال: إن الله- تعالى ذكره- أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولم يحد مبلغ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015