الباحث في تفسير الطبري يرى أن صاحبه تعرّض لبعض النواحي الكلامية عند كثير من آيات القرآن الكريم، بما يشهد لعلمه الممتاز في أمور العقيدة، فهو يناقش بعض الآراء الكلامية بإجادة وقوة، موافقا لأهل السنة في آرائهم، متصديا للرد على المعتزلة في كثير من آرائهم الاعتقادية، فنراه مثلا يجادلهم مجادلة حادّة في تفسيرهم العقلي التنزيهي للآيات التي تثبت رؤية الله عند أهل السنّة كما نراه يذهب الى ما ذهب اليه السلف من عدم صرف آيات الصفات عن ظاهرها، مع المعارضة لفكرة التجسيم والتشبيه، والرد على أولئك الذين يشبهون الله بالانسان. فمثلا عند تفسير قول الله تعالى وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ... (?)
يقول: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن جرأة اليهود على ربهم، ووصفهم إياه بما ليس من صفته توبيخا لهم بذلك، وتعريفا منه نبيّه صلى الله عليه وسلم قديم جهلهم واغترارهم به، وانكارهم جميع جميل اياديه عندهم، وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم إجرامهم، واحتجاجا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه نبيّ مبعوث ورسول مرسل، إن كانت هذه الأنباء التي أنبأهم بها كانت من خفيّ علومهم ومكنونها، التي لا يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من اليهود، فضلا عن الأمة الأمية من العرب الذين لم يقرءوا كتابا ولا وعوا من علوم أهل الكتاب علما، فأطلع الله على ذلك نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم، ليقرر عندهم صدقه، ويقطع بذلك حجتهم. يقول تعالى ذكره: وقالت اليهود من بني إسرائيل يد الله مغلولة، يعنون أن خير الله ممسك وعطاءه محبوس عن الاتساع عليهم، كما قال تعالى ذكره في تأديب نبيّه (صلى) «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط» وإنما وصف تعالى ذكره اليد بذلك والمعنى العطاء،