أو الخرنوب. هذه ملذاتهم من دنياهم، لا يخرجون من المسجد إلا عصر الخميس، يؤمون الرياض والحياض، للاستجمام والاستحمام، لا يأملون من العلم مالاً وقد كان أقصى مرتب الشيخ الأزهري إلى عهد قريب ثلاثة جنيهات في الشهر، ولا يبلغها إلا نفر قليل، فراضوا نفوسهم على القناعة، وعودوها الصبر وألزموها الرضا. هذا المرصفي يحدّث عنه الأستاذ محمود حسن زناتي أنه كان في دار بالية في حي قديم وقد جلس على حصير ألقى عليه كتبه وأوراقه، ومن حوله خيط من عسل القصب مرشوش على البلاط يدرأ عنه هجوم البق () لم يمنعه هذا الحصير الخلق في هذه الدار البالية من أن يشرح عليه الكامل. وأورثهم هذا الفقر عزة في نفوسهم: أورثهم كبر العلم، وكل كبر مذموم إلا كبر العلم، فلم يكونوا يحفلون أحداً من أبناء الدنيا، لأنهم لم يتذوقوا لذتها حتى يداجوا فيها، ولم يميلوا إليها حتى يتزلفوا إليهم من أجلها. كسروا قيودها وتخلصوا من رقها، وهانت عليهم وهان أهلها. هذا هو اللورد كرومر، وما أدراك ما اللورد كرومر؟! يدخل على الشيخ محمد الأنبابي شيخ الأزهر، ويسلم عليه، فيرد الشيخ التحية وهو قاعد، فيعظم اللورد قعوده ويقعد إلى جنبه فيقول له مغضباً: «يا سيدنا الشيخ ألست تقوم للخديو؟»، قال: «نعم». قال: «فلم لم تقم لي؟»، قال: «إن الخديو ولي الأمر وأما أنت فلست منا». فيزيد ذلك اللورد إجلالاً له، ويكتبه في أحد تقريراته لحكومته (?).

وهذا هو رياض باشا وكان رئيس الحكومة وناظر المالية (?) يزور مدرسة دار العلوم، وكان الشيخ حسن الطويل مدرساً فيها، فلا يسلم الرئيس ويدخل حتى يبتدره الشيخ من آخر القاعة، فيقول له: «يا باشا أما آن لكم أن تجعلوني معكم ناظراً؟». فيدهش الباشا ويقول: «ما هذا يا شيخ حسن؟»، فيقول: «ما تسمع يا باشا»، قال: «فأي نظارة تريد؟»، قال: «المالية»، قال: «لماذا؟»، قال: «لأستبيح أموالها!» (?) فذعر الباشا وخرج يرتجف، وقال لعلي مبارك باشا ناظر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015