يحمل له نعله، وإذا سبَّه عدّ سبه إكراماً، وتحمله مسروراً، ورآه من أسباب الفتوح.

وكان الطالب الأزهري المجاور، يذهب إلى بلده في العيد أو في الإجازة، فيقبل البلد كله عليه يقبل يده، ويتبرك به، ويشم فيه عبق الأزهر، ويكون المرجع لأهله في الجليل من شؤونهم والحقير، ويكون فقيههم والحاكم بينهم، لا مردَّ لحكمه ولا اعتراض عليه، لأنه يحكم بشرع الله، ويبين حكمه في فتواه.

هذا ما عرفناه. فما الذي جرى حتى تبدلت الحال، ووقع حادث الشيخ أبي العيون؟ (?).

ما الذي نزع هيبة المشايخ من القلوب وأنزلهم من مكانتهم عند الحكام؟

أأقول؟ أنتم أيها الأزهريون فعلتم هذا كله! أنتم تنكبتم سبيل أسلافكم، فما الشيخ اليوم شيخ مسلِّك ولكنه موظف محاضر، وما التلميذ مريد طيّع ولكنه مشاكس مشاغب، وما يطلب علماً ولكن يبتغي شهادة. أنتم ثرتم على مشايخكم وعلمتم الناس الثورة عليهم. أنتم أيها الطلاب. أنتم مددتم أيديكم إلى مدرسيكم، فجرأتم هؤلاء أن يمدوا أيديهم إلى أبي العيون. أنتم أطلقتم ألسنتكم فيهم فشجعتم هذه الصحف أن تتطاول حزبية إلى الكلام على شيخ الأزهر. أنتم أيها الأزهريون جميعاً جعلتموها جامعة فكان فيها ما يكون في الجامعات، وقد كانت جامعاً لا يكون فيه إلا ما يكون في الجامع. لقد كان الأزهر لله فصار للناس، وكان للآخرة فغدا للدنيا، وكان يجيئه الطالب يبتغي العلم وحده، وتبلغ بخبز الجراية، وينام على حصير الرواق، ويقرأ على سراج الزيت، ولكنه لا ينقطع عن الدرس والتحصيل من مطلع الفجر إلى ما بعد العشاء، ينتقل من شيخ إلى شيخ، ففي كل ساعة درس، ولكل درس كتاب، ولكل كتاب ساعة للتحضير والمراجعة، لا يدع الدرس إلا للصلاة في المسجد صلاة خشوع وتبتل، أو للأكل فيه أكل قناعة وتقشف، أو لشرب العرقسوس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015